للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسمَّى جماعة، فبعث إليه ياقوت مَن طلب، فاستغواهم أبو عبد الله البريدي وجرَّهم إلى نفسه، فأقاموا عنده، وصحبوه، ولم يعودوا إلى ياقوت، وانتخب أبو عبد الله البريدي رجال ياقوت، فاقتطعهم إليه، فطلب الراضي من أعيان أصحاب ياقوت جماعةً، فبعث بهم إليه.

وشغب جُنْدُ ياقوت وقالوا: لا بدَّ من مكاتبة البَريدي بِحَمْل المال، ثم زاد الإلحاح على ياقوت، فخرج بنفسه إلى الأهواز في ثلاث مئة فارس لئلَّا يَستوحِشَ أبو عبد الله البريدي.

وكان البريدي كاتبًا لياقوت، فظنَّ ياقوت أنَّه إلى كاتبه يمضي، فتلقَّاه البريدي في السَّواد الأعظم، فلمَّا رأى ياقوتَ تَرَجَّل، وطرح ياقوت نفسَه عليه حتَّى كاد يَقَعُ من دابته، وسار، فأنزله البريدي في داره، وخَدَمه بنفسه، وقام بين يديه إلى أن طَعِم، وغسل يديه، وناوله المِنديل، وبَخَّره بيده.

فبينا هم كذلك إذ ارتَفعَت ضَجّةٌ عظيمةٌ، وشَغَب الجُنْدُ وقالوا: إنَّما وافى ياقوت واجتمع بالبريدي ليقبضا علينا (١)، وكان هذا بمُواطأةٍ من البريدي، فقال البريدي لياقوت: اخرُج أيها الأمير عاجلًا وإلا قُتِلنا جميعًا.

فخرج ياقوت خائفًا يَتَرَقَّب، ولم يُحدِّث نفسَه بنَجاةٍ، وعاد من طريق آخر، فنزل بعَسْكَر مُكْرَم، فكتب إليه أبو عبد الله البريدي: إنَّ الرجال بالأهواز قد استوحشوا منه، والمَصْلَحةُ أن تَرحلَ إلى تُسْتَر، فإنَّ بينها وبين الأهواز ستةَ عشر فَرْسَخًا، وبين عَسْكَر مُكْرَم والأهواز ثمانية فراسخ، وإنَّ الدار إذا نأت زال الاستيحاش.

وكتب له على عامل تُسْتَر بخمسين ألف دينار التي على تُسْتَر، فَفرَّقها في العسكر، كلُّ واحد شيئًا يسيرًا، وأقام بتُستَر فضجَّ الرجال.

وكان لياقوت مولًى يقال له: مؤنس، فقال: أيها الأمير، البَريدي يَحُزُّ مَفاصِلَنا مَفْصِلًا مَفْصِلًا، ويَسْخَرُ منَا، وقد حاز شَطْرَ رجالنا ووجوه قُوَّادنا إلى نفسه، وأنت تَغْتَرُّ


(١) في (خ): واجتمع بالبريدي إلا ليقبضا علينا، والمثبت من تكملة الطبري ٣٠١، وانظر الكامل ٨/ ٣١٧ - ٣١٨.