للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها ورد كتابٌ من ملك الروم إلى الراضي في رمضان، وكانت الكتابة بالرُّومية بالذَّهَب، والترجمة بالعربية بالفِضة، وعنوانه: من رومانس وقسطنطين وإسْطَفانوس عُظَماء ملوك الروم، إلى الشَّريف البَهِيّ ضابط سلطان المسلمين؛ باسم الأب والابن وروح القدس الإله الواحد، الحمد لله ذي الفضل العظيم، الرؤوف بعباده، الجامع للمفترقات، والمؤلِّف للأمم المختلفة في العداوة حتَّى تصير شيئًا واحدًا، والحمد لله الَّذي جعل الصُّلحَ أفضلَ الفضائل، إذ هو محمود العاقبة في السماء والأرض.

ولمَّا بلغنا ما رُزِقْتَه -أيها الأخ الشّريف الجليل- من وُفُورِ العقل، وتمامِ الأدب، واجتماع الفضائل أكثر (١) ممَّن تقدَّمك من الخلفاء، حمدنا الله تعالى حيث جعل في كلِّ أمة مَن يَميل إلى طاعته، ويَمتثل أمره.

وذكر كلامًا طويلًا حاصلُه أنَّهم طلبوا الهُدْنَة، ومُفاداة الأُسارى الذين بأيدي المسلمين وأيديهم، وأهْدَوا للراضي هديَّةً سَنيَّة [فاخرة]، وذكروها في الكتاب فقالوا: وقد وجَّهْنا إلى شريف حَسَبك شيئًا من الألطاف، منها: أقداحٌ من ذهب مُطَعَّمَةٌ بالجوهر، وفوق كلِّ قَدَحٍ أَسَدُ بَلُّور مُطَعَّم، وكيزان، وجِرارٌ من ذهب كلُّها مُطَعَّمَة، وأواني من الذَّهب مُجَوهَرة، وثياب كثيرة، ومِسْكٌ وعَنْبَرٌ وطِيبٌ كثير، وألوان اللطائف شيء ما في خزانة الخلفاء مثلُه.

فكتب إليهم الراضي كتابًا من إنشاء أبي عبد الله أحمد بن محمد بن ثَوابَة مضمونه:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، من عبد الله أبي العباس الإمام الراضي بالله أمير المؤمنين إلى رومانس وقسطنطين وإسْطَفانوس رؤساء الروم، سلامٌ على مَن اتَّبع الهُدى، وتمسَّك بالعُروة الوُثْقى، وسَلك سبيلَ النَّجاة والزُّلْفى، وإنَّ أمير المؤمنين يَحْمَد الله الواحدَ الأحد، الفَرْدَ الصَّمد، الَّذي لا صاحبةَ له ولا وَلد (٢)، ولا شريكَ ولا عَضُد، تَنَزَّه عن المُضاهاة لعَظَمته، وتقدَّس عن المُناوأة بحكمته، وتعظَّم عن شَبَه (٣) العباد برُبوبيته، واستغنى عن الضرورات بمُلْكه وقُدْرته، فهو كما وَصَف نفسَه:


(١) في (م ١): أفضل، وليس في (ف) لخرم نشير إليه قريبًا، والمثبت من (خ).
(٢) في (م ١): الَّذي لم يتخذ صاحبة ولا ولد.
(٣) في (م ١): تشبيه.