للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلمَّا قطع بجكم حُلْوان طمع البريدي في العراق، وأنَّه يدخلُ بغداد فيأخذ من دار بجكم دفائنَ عظيمةً (١)، وكانت سَنِيَّة، وأقام يُقَدِّمُ ويؤخِّرُ، ويُقْدِمُ وَيجْبُن، وتارةً تَشْرَهُ نفسُه إلى المال، وتارةً يخاف من مُكاشَفة بجكم، ويتوقَّع أن يُهزَم بجكم أو يُقتلَ فيتمكَّنَ مما يريد.

وكان بجكم قد بعث أبا زكريا السُّوسي بالرسالة إلى البريدي، فأقام عنده شهرًا، وعلم السُّوسي ما قد عَزم عليه، فأرسل السُّوسي (٢) إلى بجكم فأخبره، فركب بجكم الجَمَّازات (٣)، وسار إلى بغداد، وخلَّف عسكرَه وراءه.

ووقع الطَّيرُ على البريدي بدخول بجكم بغداد، فتحيَّر، وهمَّ بالقبض على السُّوسي، ثم أطلَقَه، وعَزل بجكم البريدي عن وزارة الراضي -وكان اسمُ الوزارة واقعًا عليه، والأمور يُدَبِّرها أبو جعفر بن شيرزاد كاتب بجكم- واستُوزِرَ أبو القاسم سليمان بن مَخْلَد (٤) في ذي القعدة، وخُلِع عليه.

وكانت مدةُ وقوع اسمِ الوزارة على البريدي سنةً واحدة وأربعة أشهر وأربعة عشر يومًا.

وخرج بجكم إلى واسط في ذي القعدة، وأراد أن يكتمَ أمرَه عن البريدي، فضبط الطريقَ بأسرها، واحترز ليهجم واسِطًا فيأخذَ البريدي، فوصل إلى واسِط يوم السبت لليلة بقيت من ذي القعدة، فوجد البريدي قد انحدر منها ولم يقف، وقلَّد بجكم كتابتَه أبا عبد الله أحمد بن علي الكوفي، وعُزل عنها أبو جعفر بن شيرزاد.

وفي شوال ورد الخبر إلى بغداد بأنَّ محمد بن رائق صار إلى حمص فملَكها، وإلى دمشق والزملة وملك الجميع، ووصل إلى عَرِيش مصر، ولقيه الإخشيد محمد بن طُغْج، فحاربه فانهزمَ، واشتغل أصحابُ ابن رائق بالنَّهْب، ونزلوا في خِيَم أصحاب


(١) في تكملة الطبري ٣٢١ أن البريدي طمع أن يخرج الدفائن من داره هو، لا من دار بجكم.
(٢) في (خ): البريدي، وهو خطأ، وليس في (م ف م ١) لاختصار نشير إليه قريبًا، والمثبت من الكامل ٨/ ٣٦٢.
(٣) المراكب السريعة شبه العربة يجرها فرسان.
(٤) هو سليمان بن الحسن بن مخلد، انظر أخبار الراضي ١٤٤، وتكملة الطبري ٣٢١، والمنتظم ١٣/ ٣٨٣، والكامل ٨/ ٣٦٢، وتاريخ الإسلام ٧/ ٤٢٩.