للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تَبْني بأنقاضِ دُورِ الناسِ مُجْتَهِدًا … دارًا ستُنقَض قَهْرًا بعد أيَّامِ

وعادةُ الدَّهْرِ فيها أنْ يُغادِرَها … والنَّارُ تُضْرَمُ فيها أيَّ إضْرَامِ

تَتْلو القُرانَ عليها ثمَّ تُتْبِعُه … أحكامَ هِرمِسَ تلكم شَرُّ أحكام

إنَّ القُرانَ وبَطْلَيمُوسَ ما اجتمعا … في حال نَقْض ولا في حال إبرام

وكان له بستانٌ عِدَّةُ أجْرِبَة (١)، شجرٌ بلا نخل، عمل له شبك إبْرَيسَم، وكان يُفرخ فيه الطيور التي لا تُفَرِّخ في الشَّجَر، كالقَمارِي، والهزار، والببَغ، والبَلابِل، والطَّواويس، والقَبَج، وكان فيه الغزال والبقر والنَّعام وحُمُر الوَحْش، ووقع طائرٌ بحريٌّ على طائر برِّي فازدوجا وباضا وأَفْرَخا، فأعطى مَن بَشَّره بذلك مئةَ دينار.

وكان جَحْظَة يُعاشِرُه في زمان الفقر، فلمَّا وليَ الوزارة حَجَبه، فكتب إليه: [من البسيط]

قل للوزير أدام الله دولَتَهُ … اذْكُر مُنادَمَتي والخُبْر خُشْكارُ

إذ ليس بالباب بِرْذَونٌ لنَوبَتكم … ولا حمارٌ ولا في الشَّطِّ طَيَّارُ (٢)

وأكل يومًا حَلْوى فنقطَ على ثوبه نقطةً صفراء، فأخذ المِدادَ وسوَّدَها وأنشد: [من الخفيف]

إنَّما الزَّغفَرانُ عِطْرُ العَذارى … ومِدادُ الذُويِّ (٣) عِطْرُ الرِّجالِ

ومن شعره عند قَطْع يده: [من الخفيف]

ما سَئمتُ الحياةَ لكن تَوَثَّقْـ … ــــتُ بأيمانهم فبانَتْ يَميني

بِعتُ دِيني لهم بدُنْياي حتى … حَرَموني دُنياهمُ بعد دِيني

ولقد رمتُ ما استطعتُ بجَهْدي … حِفْظَ أيمانهم فما حَفِظوني

ليس بعد اليمين لَذَّةُ عَيشِ … يا حياتي بانَتْ يَميني فبِيني

وكانت وفاتُه في شوال.


(١) الجريب من الأرض مَبْذَر الجريب الذي هو المكيال. مختار الصحاح.
(٢) سلف البيتان في ترجمة جحظة سنة (٣٢٣ هـ)، والأبيات التي قبله في حوادث سنة (٣١٨ هـ).
(٣) جمع دواة، وانظر المنتظم ١٣/ ٣٩٧ - ٣٩٨ فجلُّ الترجمة منه.