للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السنة الثالثة والثلاثون وثلاث مئة (١)

فيها سُمِل المُتَّقي ووُلِّي المستكفي.

قد ذكرنا أنَّ توزون حلف للمتقي على ما أراد منه، واستوثق بالأيمان، ولمَّا كان يوم الخميس رابع محرَّم توجَّه المتقي من الرَّقَّة إلى بغداد، فلمَّا وصل هِيت أقام بها، وبعث القاضي أبا الحسن بن عبد الله الخِرَقي إلى توزون، فأعاد الأيمان عليه، وخرج توزون فأقام ببَثْق السِّنْدية، وتقدَّمه ابن شيرزاد، فالتقى المُتَّقي على بَثْق السِّندية، ترجَّل وقبَّل الأرض، فأمرَه بالركوب فلم يفعل، ومشى بين يديه إلى المِضْرَب الذي ضربه له على بثق السِّندية، فلمَّا نزل قبض عليه وعلى ابن مُقْلَة ومَن كان معه، ثم كَحَلَه، فصاح المُتَّقي وصاح النساء، فأمر توزون بضَرْب الدَّبادِب حولَ المضرب فخَفِيَت الأصواتُ، وأُدخل بغداد مَسْمولَ العينين، وقد أخذ منه الخاتم والبُرْدَة والقَضيب، وبلغ القاهرَ فقال: صِرْنا اثنَين ونحتاجُ إلى ثالث، يُعَرِّض بالمُسْتكفي، فكان كما قال، سُمِل بعد قليل.

وقال ثابت بن سنان: نزل توزون في نهر عيسى، وابن شيرزاد على شاطئ الفرات من الأنبار، وأقبلت خزائنُ المتقي والوزير والناس على طبقاتهم، فأقبلت غَبَرةٌ عظيمة من ناحية الأنبار، وإذا بتوزون قد أقبل، والمتقي قد نزل من مضربه، فركب فالتقاه، فلمَّا رآه توزون ترَجَّل وقَبَّل الأرض، ثم سار بين يديه، ووكَّل به جماعةً من الدَّيلَم والأتراك وبالوزير، حتى أنزلوهم في مِضرب المتقي ووالدته وحُرَمه، وأذن للجماعة في الانحدار إلى السِّنْدِيَّة، ونُهِبَت خزائنُ المتقي.

وكان توزون قد بعث إلى بغداد فأحضر عبد الله بن المكتفي، وبايعه بالخلافة، ولُقِّب: المُسْتَكْفي بالله، وسلَّم توزونُ المتقي إلى المُستكفي، فبايعه المتقي، وأشهدَ على نفسه بالخَلْع، وذلك في يوم السبت لعشرٍ بقين من المحرَّم، ثم أُخرج المتقي إلى جزيرة مقابل السِّندية، فسُمل حتى سالت عيناه في يوم خلعه، وقيل: إنما خُلع لعشرٍ بقين من صفر، ولم يَحُل الحولُ على توزون حتى مات.


(١) في (م): السنة الثالثة والثلاثون بعد الثلاث مئة، ولم يذكر في النسخ (م ف م ١) من أحداث هذه السنة شيء، وورد فيها ترجمة عمرو بن جامع فقط.