للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَن هذا؟ هذا عبدٌ سقط من عين الله، فابتلاه بما تَرون، وسَمعها علي بن عيسى، فرجع واستعفى من الوزارة، وذهب إلى مكة فجاوَر بها.

وحكى الخطيب عن أبي سَهْل بن القَطَّان قال (١): كنتُ مع علي بن عيسى لما خرج من بغداد إلى مكة، فطُفنا في يومٍ شديد الحَرِّ، فوقع مثل الميت وقال: أشتهي شَربةً من ماءٍ بثَلْج، فقلت من أين هنا ثلج؟! هذا معدوم.

فبينما نحن كذلك إذ نشأت سحابةٌ عظيمة في الحال، فأمطرت بَرَدًا كثيرًا، بحيث جمع الناس منه ما ملؤوا به الحِباب والجِرار، فقلت له: أنت رجل موفَّق، وهذه علاماتُ الإقبال، وكان صائمًا، فلمَّا صَلَّينا المغرب قَدَّمْتُ الكاسات فيها الأسْوقَة والسُّكَّر مَخلوطًا بالماء والبَرَد، فقال: ليتني تمنَّيتُ المغفرة، فسقى كلَّ مَن في الحَرَم من الصُّوفية والمُجاورين وغيرهم، وشرب هو قليلًا.

وحكى الحافظ ابن عساكر عن محمد بن خَفيف قال (٢): لمَّا عُزل علي بن عيسى من الوزارة وخرج مُجاورًا إلى مكة خرج معه الماذَرائي وابن زُنْبُور، فقال لهما: اعزِما على المُجاورة معي، فقال الماذرائي: أنا لا أصبر على (٣) حرِّ مكة، وقال ابن زنبور: أنا أُقيم معك.

وأخذ علي بن عيسى في العبادة العظيمة والمُجاهَدة القويَّة، وكان شيخ بالحرم ينظر إليه، فقال لي: مَن هذا؟ قلتُ: الوزير، قال: ليس لله فيه شيء، قال: فاستَجْهَلْتُه، ثم لقيتُه مرةً أُخرى فقال لي كذلك، واجتمعتُ بالوزير في منزله وأخبرتُه، فرمى باللُّقْمَة من يده، ثم أطرق ساعة، ثم قال: إنْ عاوَدَك فسَلْه.

[قال:] فلقيتُه، فسألني عنه وقال لي كذلك، فقلتُ له: بم ذا؟ قال: وَجَد مُناه لا بارك الله له فيه.


(١) في (خ): وقال أبو سهل بن القطان، والمثبت من (م ف م ١)، والخبر في تاريخ بغداد ١٣/ ٤٦٠، وذكره الهمذاني في تكملة الطبري ٣٥٩، وعن الخطيب أوردته سائر المصادر.
(٢) في (خ): وقال محمد بن خفيف، والمثبت من (م ف م ١)، والخبر في تاريخ دمشق ٥١/ ١٢٤ - ١٢٥.
(٣) في (م ف م ١): أنا لا صبر لي على، والمثبت من (خ).