للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها توفيت

ابنة أبي الحسن المَكّي الزَّاهد

حدثنا غير واحد، عن محمد بن أبي طاهر البزاز، عن القاضي علي بن المُحَسّن التنوخي، عن أبيه قال: حدثني عبيد الله بن أحمد ابن بُكَير قال (١):] كان لأبي الحسن المكي ابنةٌ مقيمة بمكة، وكانت أشدَّ وَرَعًا من أبيها، وكانت تقتاتُ في كل سنة بثلاثين درهمًا يبعثُها أبوها إليها من سَفِّ الخُوص، فأخبرني ابن الرَّوَّاس (٢) وكان جارًا لأبي الحسن [المكي] قال: عَزَمْتُ على الحجِّ، فأتيتُه أستعرِضُ حَوائجَه، فدفع إليَّ قِرْطاسًا فيه دراهم وقال: تُوصِلُه إلى ابنتي بمكَّة في المَوْضع الفلاني، فأخذتُه، فلمَّا وصلتُ إلى مكة سألتُ عنها، فوجدتُها بالزُّهد والعبادة أشهر من أبيها، ففتحتُ القرطاسَ، وجعلتُ الثلاثين خمسين، وأتيتُ إليها فسلَّمتُ عليها وقلتُ: أبوكِ يُسلِّم عليك، وقد بعث لك هذه الدَّراهم، فلما حَصل القرطاسُ في يدها قالت: إيش خبرُ أبي؟ قلتُ: على خيرٍ وسَلامة، قالت: هل خالطَ أبناء الدنيا وترك الانقطاعَ إلى العبادة؟ قلتُ: لا، قالت: فأسألك بمَن حجَجْتَ إلى بيته هل خلطْتَ هذه الدراهمَ بشيءٍ من مالك؟ قلتُ: ومن أين علمتِ؟ فقالت: ما كان أبي يزيدُني على الثلاثين شيئًا؛ لأنَّ حاله لا يحتمل أكثر من ذلك، إلا أن يكون خالطَ أهلَ الدنيا، ثم رمت إليَّ بالقرطاس وقالت: خُذْه فقد عَقَقْتَني وأجعْتَني طولَ السنة، وأحوَجْتَني أن أقتات من المَزابل إلى الموسم الآخر؛ لأنَّ هذه كانت قُوتي طول السنة، ولولا أنك ما قصدتَ أذاتي لدعوتُ عليك، فقلتُ لها: خذي الثلاثين ورُدِّي الباقي، فقالت: ما أعرفُها بعينها، وقد اختلطَت، ولا آخذُ مالًا لا أدري من أين هو، فاغتَمَمْتُ وعُدتُ إلى أبيها، فأخبرتُه واعتذرتُ إليه فقال: لا آخذُها وقد اختلطَت بغير مالي، وقد عققتني وإياها، قلتُ: فما أصنع بها؟ قال: تصدَّق بها، وكانت وفاتها بمكة.


(١) في (خ): أبي الحسن المكي الزاهد، قال عبيد الله بن أحمد بن بكر، والمثبت من (م ف م ١)، والخبر في المنتظم ١٤/ ٧٠.
(٢) في (خ) فأخبرني الرواس، وفي (م): ابن أبي الرواس، وفي (ف م ١): ابن أبي العباس، والمثبت من المنتظم، وصفة الصفوة ٢/ ٢٧٦.