للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدثنا غير واحد عن أبي الفَضْل محمد بن ناصر بإسناده، عن بكر بن محمد قال: كُنْتُ عند أبي الخير بالتِّينات، فباسَطَني] فحادثتُه (١)، فذكر بدايتَه، فهَجَمتُ (٢) عليه وسألتُه عن سبب قَطْع يده، فقال: يدٌ جنَت فقُطِعَت، ثم سكت، واجتمعتُ به بعد ذلك بسنين مع جماعة من الشيوخ، فتذاكروا مواهبَ الله تعالى لأوليائه، وأكثروا ذكرَ الكرامات وقَطْعَ المسافات (٣)، فتَبَرَّم الشيخ وقال: كم تقولون: فلان مشى في ليلة إلى مكة، وفلان مشى في يوم، وأنا أعرفُ عبدًا [حَبَشيًّا] من عبيد الله كان جالسًا في جامع طَرابُلُس ورأسُه في مُرَقَّعَته، فخطر بباله طِيب الحَرَم، فقال في سرِّه: يا ليتني فيه، فأخرج رأسه وإذا به فيه.

وأمسك عن الكلام، وتغامَزَ الجماعةُ، وأجمعوا على أنَّه ذلك الرجلُ، فسأله واحدٌ عن سبب قطع يده فقال:

خرجتُ من المغرب، فأقمتُ بالإسكندرية اثنتي عشرة سنة [، ثم انقلبتُ (٤) إلى مكان بين شَطا ودِمْياط، فأقمتُ فيه اثنتي عشرة سنة] أتقوَّتُ بعُروق البَرْدي، أَنبُشُه من تحت التراب، فآكلُ العِرْقَ الأبيض وأرمي بالباقي، وفي رواية: وكنتُ قد بَنيتُ لي كُوخًا، فكنتُ أجيءُ من ليل إلى ليل، وأفطر على ما نَفَضه المُرابطون، وأُزاحم الكلابَ على قُمامة السُّفَر، فنُوديتُ في سرِّي: يا أبا الخير، تَزعُم أنك لا تُزاحم الخلقَ في أقواتهم، وتُشيرُ إلى التوكُّل، وأنت في وسط المعلوم جالس؟ فقلتُ: إلهي، وعِزَّتك لا مَدَدتُ يدي إلى شيءٍ مما تُنبتُه الأرضُ حتَّى تكونَ أنت الَّذي توصل إليَّ رزقي من عندك [من حيث لا أكون أنا فيه].

فأقمتُ اثني عشر يومًا أُصلِّي الفَرْض [، وأتَنَفَّل، ثم عجزتُ عن النَّافلة، فأقمتُ أُصلِّي الفرضَ والسُّنة اثني عشر يومًا، ثم عجزت عن السنة، فأقمتُ اثني عشر يومًا


(١) في (خ): وكان من العباد المشهورين والأولياء المذكورين صاحب كرامات وآيات وإشارات، ويسمى الأقطع لأن يده كانت مقطوعة، وكانت الوحوش والسباع تأنس به، قال بكير بن محمد كنت عنده بالتينات فبسطني، والمثبت من (م ف م ١).
(٢) في (م ف م ١): فتقحمت.
(٣) في (م ف م ١) بعدها: وقد ذكرها في المناقب أيضًا قال.
(٤) في (م): انتقلت.