للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولي سنة ثلاث مئة لمَّا مات جدُّه لأبيه عبد الله بن محمَّد بن عبد الرَّحمن، وله ألقابٌ منها: النَّاصر لدين الله، أمير المؤمنين، وهو أول من لقَّب نفسه بالناصر، وبأمير المؤمنين بالأندلس، وكانوا قبله يُسمَّون بني الخلائف ويُسلَّم عليهم بالإمرة، فلمَّا ضعُف أمرُ الخلافة ببغداد في أيام المقتدر وغيرها تلقَّب بنو أمية بإمرة المؤمنين، وكذا بنو عُبيد الله بالقَيْروان والمَهْدية، وتلقَّب عبد الرَّحمن بالقَمر الأزْهَر، والأسد الغَضَنْفَر، وأمُّه أمُّ ولد يقال لها: مُزْنَة.

وكان شُجاعًا، شَهمًا، محمودَ السّيرة، مَيمونَ النَّقيبة، لم يزل يستأصل المُتَغلِّبين حتى تمَّ أمرُه بالأندلس، فأقام واليًا خمسين سنة، ولم يبلغ أحدٌ من بني أمية هذه المدة.

وأخذ المُلك عن جدِّه وهو شابٌّ وبالحَضْرة أكابرُ أعمامه وأعمام أبيه، وذوو القُعْدُد في النسب من أهل بيته فلم يتعرَّض له أحدٌ، واجتمع في دولته من العلماء والفُضَلاء ما لم يجتمع في دولة غيره، وله غزوات عظيمة.

قال ابن عبد ربِّه: وقد نظمتُ أرجوزةً ذكرتُ فيها غزواته من سنة إحدى وثلاث مئة إلى سنة اثنتين وعشرين وثلاث مئة (١).

قال: وافتتح سبعين حصنًا من أعظم الحصون، ومدحه بقصائدَ كثيرةٍ منها قوله: [من البسيط]

قد أوضح الله للإسلام منهاجا … والناسُ قد دخلوا في الدِّين أفواجا

وقد تَزيَّنَت الدنيا لساكنها … كأنَّما أُلبسَت وَشْيًا وديباجا

يا بن الخَلائف إن المُزْنَ لو علمت … نَداك ما كان منها الماء ثَجَّاجا

مات النِّفاق وأخطأ الكفرُ رَمْيتَه (٢) … وذَلَّت الخيلُ إلْجامًا وإسراجا

وأصبح النَّصْرُ مَعْقودًا بألويةٍ … تَطْوي المَراحِلَ تَمهْجيرًا وإدلاجًا

غادرْتَ في عَقْوَتَي جَيَّان مَلْحَمةً … أبكيتَ منها بأرض الكفر أعلاجا


(١) ذكرها في العقد ٤/ ٥١٠ - ٥٢٧.
(٢) في العقد ٤/ ٤٩٩: وأعطى الكفر ذِمَّته.