للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال المحسِّن عن أبيه: سألتُ المتنبي عن نسبه، فما أقرَّ لي به، وقال: أنا رجل أَخْبِط القبائل وأطوي البوادي وحدي، ومتى انتسبتُ لم آمَن أن يَأخُذني بعض العرب بطائلة بيننا وبين القبيلة التي انتسبتُ إليها، وما دمت غير مُنتَسِبٍ إلى أحد فأنا أسلم على جميعهم.

قال: واجتمعتُ بعد وفاته [بسنين مع القاضي أبي الحسن ابن] أمِّ شَيبان (١)، وجرى ذكره فقال: كنتُ أعرف أباه بالكوفة شيخًا يُسمّى عِيدان؛ يستقي الماء على بعير له، وكان جُعفيّا صحيحَ النَّسب.

قال التّنوخي: وكان المتنبي لما خرج إلى كَلْب أقام فيهم، وادَّعى أنه عَلَويّ حَسَني، ثم ادَّعى بعد ذلك النبوة، ثم عاد يدَّعي أنه علَويّ؛ إلى أن شهدوا عليه بالشام أنه كاذب في الدَّعوَتين، وحُبس دهرًا طويلًا، وأشرف على القتل، ثم استُتيب [وأشهد عليه بالتوبة] فأطلق.

[قال المحَسِّن: وحدثني] أبو علي بن أبي حامد قال: سمعتُ خلقًا كثيرًا بحلب يحكون والمتنبي بها إذ ذاكٍ أنه تنبأ (٢) في بادية السَّماوة ونواحيها إلى أن خرج إليه لؤلؤ أمير حمص، فقاتله وأسره، وشَرَّد مَن كان قد اجتمع إليه (٣) من كلب وكلاب وغيرهما [من قبائل العرب]، وحبسه دهرًا طويلًا، فاعتلَّ وكاد يَتلف، فسئل في أمره، فاستتابه، وكتب عليه كتابًا ببُطلان ما ادَّعاه، ورجوعِه إلى الإِسلام.

وكان قد تلا على أهل البراري كلامًا زعم أنه قرآن نزل عليه، فمنه: والنَّجْم السَّيَّار، والفَلَك الدَّوَّار، والليل والنهار؛ إن الكافر لفي أخطار، امض على سُنّتك، واقْفُ أثرَ مَن كان قبلك من المرسلين، فإن الله قامِعٌ بك زَيغَ مَن ألحد في دينه، فضَلَّ عن سبيله.

[قال المحَسِّن:] وكان المتنبي إذا شُوغِب في مجلس سيف الدولة، وذكر له هذا القرآن (٤) وأمثاله يَجْحَده.


(١) في (خ): بعد وفاته بابن أم شيبان القاضي، والمثبت من (ف م م ١).
(٢) في (خ): وقال أبو علي بن أبي حامد إنه تنبأ، والمثبت من (ف م م ١).
(٣) في (م): من كان معه ممن اجتمع إليه.
(٤) في (خ): الهذيان، والمثبت من (ف م م ١)، وما سلف بين معكوفين منها.