للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا حقَّ الله فيما أخذه على ذي الجاه من بذل جاهه، ولا حقَّ إنعامي عليكما، وبالغ في ذَمّهما حتى كأنهما قد جَنيا جِناية، فأخذا يَحلفان: ما أرَدْنا إلا التَّخفيف عن الأمير بقراءة رقعةٍ طويلة، لينقلها إلى لطيفة (١)، وجعل الحاضرون يتعجَّبون أن هذا التَّأنيب لهما أحسن من عطائه للشيخ ما أعطاه.

ومن شعره: [من الطويل]

وساقٍ صَبوحٍ (٢) للصَّبوحِ دَعوتُه … فقام وفي أجفانه سِنَةُ الغَمْضِ

يَطوفُ بكاساتِ العُقارِ كأنْجُمٍ … فمن بين مُنْقَضٍّ علينا ومُنْفَضِّ

وقد نَشَرت أيدي الجَنوبِ مَطارِفًا … على الجَوّ دُكْنًا والحواشي على الأرضِ

يُطَرِّزها قوسُ السَّحابِ بأصفَرٍ … على أحمَرٍ في أخضَرٍ إثْرَ مُبْيَضِّ

كأذيال خَودٍ أقبلتْ في غَلائل … مُصَبَّغَةٍ والبعضُ أقصرُ من بعضِ

قلت: قال قاضي القضاة شمس الدين : وهذا من التَّشبيهات الملوكيَّة التي لا يكاد يَحضُر مثلها للسُّوقة (٣)، والبيت الأخير أخذ معناه أبو الفرج بن محمَّد ابن الإخوة، فقال في فَرَسٍ أدْهَم مُحَجَّل: [من الخفيف]

لَبِسَ الصُّبْحَ والدُّجُنَّةَ بُرْدَينِ … فأرخى بُرْدًا وقَلَّص بُرْدا

وقال: كان لسيف الدولة جاريةٌ من بنات ملوك الروم في غاية الجَمال، فحسدها بقيَّةُ الحَظايا لقُربها منه، ومَحَلِّها من قلبه، وعَزَمْنَ على إيقاع مَكروهٍ بها من سُمٍّ وغيره، فبلغه الخبر، فخاف عليها، فنقلها إلى بعض الحصون احتياطًا، وقال فيها: [من الخفيف]

راقَبَتْني العيونُ فيك فأشفقتُ … ولم أَخْلُ قطّ من إشفاقِ

ورأيتُ العدوَّ يَحْسُدني فيكِ … مُجِدًّا يا أَنْفَسَ الأعلاقِ

فتَمنَّيتُ أن تكوني بعيدًا … والذي بيننا من الوُدِّ باقِ

رُبَّ هَجْرٍ يكون من خوفِ هَجْرٍ … وفراقٍ يكون خوفَ فراقِ


(١) في (خ): بقراءة رقعة غيرها لطيفة، والخبر بطوله ليس في (ف م م ١)، والمثبت من الفرج بعد الشدة ٣/ ٤٢.
(٢) في يتيمة الدهر ١/ ٥٣، وتاريخ دمشق ٥١/ ٢١، ووفيات الأعيان ٣/ ٤٠٢: صبيح.
(٣) هذا الكلام للثعالبي في يتيمة الدهر ١/ ٣٥، نقله عنه قاضي القضاة شمس الدين ابن خلكان في وفيات الأعيان ٣/ ٤٠٢.