للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وألطافًا، وسَفَر بينه وبين أخيه أبي تَغْلب في الصُّلح فأجابه، وعاد حمدان إلى الرَّحْبة، وخَلَّف أهلَه وأسبابه ببغداد، فراسله أخوه أبو تَغْلب بالمسير إليه ليتَّفقا على أمر، فامتنع وقال: ما وقع الصُّلح على هذا، فبعث إليه أبو تغلب أخاه أبا البركات، فخافه حَمدان، فخرج من الرَّحْبة يريد بغداد، فأخذ عليه أبو البركات المخاض، فدخل بَرّيَّة تدمر، فكاد يَهلك من العطش، فأرسل إلى أخيه أبي البركات يُقَبِّح فِعلَه ويقول: إن أقمتَ على ما أنت عليه قصدتُ دمشق، فرجع أبو البركات إلى عَرَبان، ورجع حَمْدان إلى الرحبة، فراسله أبو البركات واجتمعا، فقال له: المصلحةُ أن تجتمع بأخيك أبي تغلب لتزولَ الوَحْشة، فامتنع حمدان وافترقا.

وسار أبو البركات إلى ماكِسين، ووصل إلى حمدان مئتا فارس من بني نُمير، فقَوي قَلبُه، وسار خلف أبي البركات واقتتلا، فاتفق أنه وقعت من يد حَمدان في رأس أخيه أبي البركات ضَربة ولم يقصده فقتله، فحَزِن عليه، وبعث به إلى أخيه أبي تغلب في تابوت، وحلف أنه ما قصده، فبكى أبو تغلب وقال: والله لأُلْحِقَنَّه به ولو خرجْتُ من الملك.

وجَهَّز أخاه أبا عبد الله في خمس مئة فارس إلى حَمْدان، وقال: سِرْ فإنّا على إثرك، ثم أردفه بأخيه محمَّد بن ناصر الدولة، فبلغه أن محمدًا واطأ حَمدان على الفَتْك بأبي تَغْلب، فرَدَّه وقَيَّده، وبعث به إلى قلعة تُعرف بمليصا (١)، وبعث إلى أخيه الحسين -وكان مُقيمًا بالحَديثة- يُخبره بما كان في عَزْم أخيه محمَّد من الفَتْك، وأرسل إلى إخوته أبي القاسم وإبراهيم -وكان بعضهم بسِنْجار- فأخبرهم، فصَوَّبوا رأيَه، ثم كاشفوه بعد ذلك، واتفقوا مع حَمدان على قتاله، فجمع وسار إليهم إلى ديار ربيعة، فلم يكن لهم به طاقة، فراسله أخواه الحسين وإبراهيم أن الذي أوحَشَهما ما فعل بأخيهما محمَّد، ودخلا في طاعته، وإنما قصدا الحيلة عليه، وسارا من سِنجار إلى المَوْصل، فقصد إبراهيم بالِس، ومضى أبو الحسين إلى أبي تغلب، ثم سار إبراهيم إلى بغداد، فتلقاه نائب عز الدولة، وأنزله بباب البستان.


(١) في الكامل ٨/ ٥٩٥: كواشى، وفي نسخة منه: ملاسي.