للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأهمل أمر الرّوم، فوعدهم بالعَوْدِ إلى واسط، ومُصالحة عمران، والانكفاء إلى الثغور، فسكنوا وانصرفوا.

ورجع إلى واسِط، وكتب إلى أبي تغْلب يُخبره أنه على نية الغزو، ويُلزِمه أن يُعِدَّ له الأزواد والعُلوفات، وبعث في ذلك أبي بكر محمد بن عبد الرحمن بن قُرَيعَة القاضي، وأخرج أبا طاهر بن بَقيَّة إلى سبكتكين ليُصلح ما تَشَعَّث بينه وبين العبَّاس الوزير، ويُعيده له إلى الصفاء والمَودَّة، ويُنهِضه معه إلى الغزو، ويأمره باستنفار المُطُّوِّعة ومَن يرغب في الجهاد من العامة.

فأما أبو تَغْلب فأجاب جوابًا، ووعد في المُلتَمَس منه.

وأما سبكتكين فأظهر صلاحَ النيَّةِ في الوزير، وأسرَّ خِلافَه، وركب مع الأمير أبي إسحاق ببغداد، واستنفر الناسَ والعوامَّ، فثار منهم عَددُ الرَّمل بأصناف السلاح، حتى بَهَره ما شاهد منهم، وكان ذلك من أقوى الأسباب في أن استَجاش على عزِّ الدولة أيامَ خَلْعِه طاعتَه بهم، وجرَّ هذا الاستنفار وقوعَ الفتن.

وورد الخبرُ بمصير الدُّمُسْتُق (١) إلى آمِد، وكان بها هَزارمرد غلامُ أبي الهيجاء بن حمدان، فكاتب أبا تغلب مُستصرِخًا به، فبعث إليه أبا القاسم هبة الله أخاه في جيشٍ كَثيف، فأغَذَّ السَّيرَ حتى وصل إلى آمد ليلةَ الفِطر، وجاء الدُّمُستق فتلقّاه هبة الله وهزارمرد، وقاتلاه أشد قتال، فنصر الله الإسلام، وقتلوا من الرُّوم خلقًا كثيرًا، وأسروا الدُّمستق؛ فكان في عدَّةٍ كثيفة لكنه التقى هبة الله اتّفاقًا في مَضيق، وهو في أول عسكره، وعلى غير أُهْبَةٍ من أمره، فأخذه أسيرًا، وأسر جماعةً من البَطارِقة، وأُنفِذَت رؤوس القتلى إلى بغداد.

وكتب أبو تَغْلب كتابًا إلى الخليفة بالفتح منه: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، لعبد الله أبي القاسم الفَضل، الإمام، المطيع لله، أمير المؤمنين، من عبده وصنيعته ابن حَمْدان: سَلامٌ على أمير المؤمنين، فإني أحمد إليه الله الذي لا إله إلا هو، وأسألُه أن يُصلِّي على محمد عبده ورسوله ، أما بعد: أطال الله بقاءَ سيِّدنا ومولانا أمير


(١) من قوله: ورجع إلى واسط وكتب إلى أبي تغلب … إلى هنا ليس في (ف م م ١).