للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله إلى إرميا: قم فيهم ودْكِّرهم بأيامي، وعرِّفهم أحداثهم، فقال: إلهي إني ضعيف فقوِّني، وعاجز فبلِّغني، ومخطئ فسدِّدني، وذليل إن لم تعزَّني، وضليل إن لم تبصِّرني، فقال له: قف على صخرة بيت المقدس (١).

ذكر الخطبة مختصرة (٢)

قال علماء السِّير ممن سميناه، دخل حديث بعضهم في حديث بعض: فوقف إرميا على الصخرة وأوحى الله إليه: يا إرميا من قبل أن أصوِّرك قدَّستك، ومن قبل أن أخرجكَ من بطن أمِّك صوَّرتك، لأمر عظيم بعثتك، قل لبني إسرائيل: إنَّ الله ذكركم بصلاح آبائكم، فلذلك استبقاكم. كيف وجد من أطاعني غبَّ طاعتي؟ وكيف وجد من عصاني غبّ معصيتي؟ هل عصاني أحدٌ فسعد بمعصيتي، وهل أطاعني أحدٌ فشقي بطاعتي، إن هؤلاء العصاة رتعوا في مراتع الهلكة، وتركوا الأمر الذي به أكرمت آباءهم، وابتغوا الكرامة من غيري. أما أحبارهم ورهبانهم فاتخذوا عبادي خَوَلًا يحكمون فيهم بغير حكمي، ويقضون بينهم بغير كتابي، حتى دانوا لهم بالطاعة التي لا تنبغي إلا لي، فهم يطيعونهم في معصيتي، وأما أمراؤهم فبطروا نعمتي، وأمنوا مكري، وغرَّتهم الدنيا حتى نبذوا كتابي، ونسوا عهدي. وأمَّا قرَّاؤهم فيدرسون كتابي ولا يعملون بما فيه، وينقادون للملوك يتابعوهم على البِدَع التي يَبْتدعون في ديني، وكلُّ ذلك وأنا أمطر عليهم السماء، وأُنبتُ لهم الأرض فألبسهم العافية، وأظهرهم على عدوِّهم، ولا يزدادون إلا طغيانًا، فحتى متى وإلى متى؟ أإيَّاي يخادعون أم عليَّ يتجبَّرون؟ فوعزتي لأتيحن لهم فتنة يتحيَّر فيها الحليم، ويضلُّ فيها رأي كلِّ ذي رأي، ولأسلطنَّ عليهم جبَّارًا عاتيًا قاسيًا ألبسه الهيبة، وأنزع من صدره الرأفة والرحمة، يتبعه عدد النسور مثل سواد الليل المظلم، معهم عساكر مثل قطع السحاب، كأنَّ خفق راياته أجنحة النسور، وصهيل فرسانه كأصوات العقبان، يعيدون العمران خرابًا، والأنس وحشة، يجولون في الدِّيار بأصوات زئير الأسود، تقشعر منهم الجلود، وعزتي


(١) انظر عرائس المجالس ٣٣٥، و"المنتظم" ١/ ٤٠٢.
(٢) انظر الخطبة في "تاريخ الطبري" ١/ ٥٤٨ - ٥٤٩، وتفسيره ٥/ ٤٤٧، و ١٤/ ٤٩٠ (هجر)، وعرائس المجالس ٣٣٥، و"المنتظم" ١/ ٤٠٣، و"الكتاب المقدس" سفر إرميا الإصحاح الأول.