للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة والستون وثلاث مئة]

[وفي المحرَّم قدم الحاج إلى بغداد وأميرهم أبو منصور محمد بن عمر بن يحيى العَلَوي، وأخبروا أنهم ما لحقوا الوقفة، وأنهم وقفوا بالمدينة.]

وفيها خرج سُبكتكين والطَّائع من بغداد في أول المحرَّم، فوصلا دَير العاقول يُريدان واسطًا لقتال عز الدولة، فمات المطيع يوم الاثنين لثمانٍ بقين من المحرم، وكان قد انْحَدر مع ابنه الطَّائع، فحُمل إلى بغداد في تابوت، ثم مات سبكتكين بعده بيوم واحد، فحمل في تابوت إلى بغداد، وكان هذا من أعجب الحوادث.

ولما مات سُبكتكين تماسك الأتراك، وعَقدوا الرئاسةَ لهفتكين (١) التركي مولى معز الدولة، وأمَّروه وأطاعوه، وكان أعور، وعَرض عليه الطَّائعُ اللَّقَبَ فامتنع منه، واقتصر على الكُنية، وأقرَّ أصحابَ سُبكتكين على ما كانوا عليه، وعمل على لقاءِ عزِّ الدولة.

وكان حَمدان قد عاد من الرَّحْبَة إلى بغداد بكتاب سُبكتكين، وبلغه اتِّفاقُ أبي تَغْلب مع عزِّ الدولة، فسار على مُقدِّمة سبكتكين، فالتقى مقدمةَ عز الدولة وفيها دبيس بن عَفيف الأَسدي فأوقع بهم، وكان فيها جماعةٌ من الدَّيلَم، وكانت الوَقْعَةُ بين جَبُّل وفَمِ الصُّلح، فقتل وأسر منهم، وذلك في المحرَّم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت منه.

فلما مات سُبكتكين كتب إليه هفتكين كتابًا يُعرِّفُه وفاتَه، وأنه قد صار موضعَه، ويستدعيه إليه ليتَّفِقا على ما يُدَبِّرانه، فاعتقد حَمدان عند ذلك الانحياز إلى عز الدولة، وأن الأتراك قد انحلَّ أمرُهم بوفاة سُبكتكين، فبعث بالكتاب إلى عزّ الدولة، وأخبره أنه صائر إلى هفتكين، واشترط عليه شروطًا، وكان عز الدولة قد عبر إلى الجانب الغربي من واسط، وأخلى الشَّرقي، وجمع السُّفن إليه، وأقام ينتظر عَضُد الدولة، وكان عضد الدولة قد خرج من شِيراز.

ولما ورد على عز الدولة كتابُ حَمدان استبشر، وهمَّ بالإصعاد إلى بغداد، وظنَّ أن أمر الأتراك قد انحلّ، فلما عرف ثُبوتَه، وأن هفتكين قد قام مقام سبكتكين؛ راسل هفتكين مع الشريف أبي أحمد الحسين بن موسى الموسوي بما يؤنسه، ودعاه إلى طاعته،


(١) في (ب): للفتكين، حيثما ورد، والمثبت من (خ)، وكلاهما صحيح، انظر السير ١٦/ ٣٠٧.