للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكانت الوَحْشَةُ قد تمكَّنتْ فلم تُغْنِ الرّسالةُ شيئًا، فقال حمدان لهفتكين: أنا أكون في مقدّمتك، فقال: افعل، فعبر من الجانب الشرقي إلى الغربي، ومعه ابنه وغلمانه وأسبابُه، فاستأمن إلى عزّ الدولة، فتلقَّاه، وأكرمه، وحمل إليه مالًا ودوابًا وثيابًا.

وبلغ ذلك الأتراك، فضَعُفَت قلوبُهم، وتوقَّفوا عن المسير أيامًا، ثم عَزموا عليه، ورجعوا، ونزلوا قريبًا من فَرْسَخ عن واسط، وعَقدوا جِسرًا من السُّفن التي كانت معهم، ولهم زَبازِب كثيرة فيها المقاتلة، وحَصَل في أيديهم الجانب الشرقي بأسره، وكانوا يَعبرون على الجسر فيُقاتلون الدَّيلَم، فأقاموا كذلك خمسين يومًا، وركب يومًا حَمدان يقاتل الأتراك، فعرفوه، فأكبُّوا عليه بالدَّبابيس حتى أثْخَنوه، وأخذوه أسيرًا، ووقع في وَرِكه دَبُّوسٌ فعرج منه إلى آخر عمره، وحملوه إلى الهفتكين، وأشرف الدَّيلَم على الهزيمة مرات، وكانت الأيام كلُّها للأتراك.

واشتدَّ الحِصار على عزِّ الدولة، وضاقت عليه المِيرَة، واستولى الأتراك على واسِط من الجانبين، وتواترت كتب عز الدولة إلى أبي تَغْلِب بالقدوم عليه، وإلى عَضُد الدولة بالإسراع إليه.

فأما أبو تَغْلب فبعث أخاه أبا عبد الله الحسين في طائفةٍ من الجيش، فنزل تكْريت، فأقام ينتظر ما تَنكشف الحربُ عنه، وانْحَدر بنفسه وبجميع جيشه إلى مدينة السَّلام، وأما عضد الدولة فقدم بغداد بعد هذا، وسنذكر قُدومَه في موضعه إن شاء الله تعالى.

وفيها في المحرَّم تُوفِّي أبو منصور إسحاق بن المتقي لله عن إحدى وخمسين سنة، وكان ممن تَرشَّح للخلافة، ودُفن بداره في دار ابن طاهر.

وفي المحرَّم توفّي أبو دُلَف كيخسرو بن عضد الدولة بشيراز (١).

وفي يوم الأربعاء لثلاث عشرة ليلة بقيت من المحرم أوقع العَيَّارون ببغداد حريقًا من الخَشَّابين إلى دَرْب الشَّعير، فاحترق شيءٌ كثير، ونهب العَيَّارون مالًا عظيمًا، وغلبوا على الأمور وتَلَقَّبوا بالقوَّاد، فأخذوا الخفائر عن الأسواق والدُّروب، ونُهب الناسُ في الجوامعُ يوم الجمعة من الجانبين.


(١) من قوله: ولما مات سبكتكين تماسك الأتراك … إلى هنا ليس في (ف م م ١).