للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان في جُملة العَيَّارين (١) رجلٌ أسود يعرف بأسود الزُّبْد لأنه كان يأوي إلى قَنْطَرة الزُّبْد، ويَستطعم الناس وهو عريان ليس عليه ما يُواريه، فلمّا رأى مَن هو أضعفُ منه قد أخذ السيفَ ونَهب أخذ هو سيفًا، وانضاف إليه جماعة، فأخذ الأموال، واشترى جاريةً بألف دينار، فأرادها على نفسها فمنَعتْه، فقال: لِمَ تمنعيني؟ فقالت: أكرهُك، فقال: ما تكرهين مني؟ فقالت: كُلّك، قال: فما تُحبّين؟ قالت: تَبيعُني، قال: أو أفعل خيرًا من ذلك؟ فحملها إلى القاضي، وأعتقها، ووَهَب لها ألفَ دينار، فعجب الناس من مُروءته حيث لم يُجازِها على كراهيتها له إلا بالإحسان.

وفيها سار عَضُد الدولة من فارس، فنزل أرَّجان في غُرَّةِ ربيعٍ الأول، ووافتْه العساكر من الرَّيِّ والأهواز، وسار يَطلب العراق.

وفي ربيع الأول ورد أبو تغلب إلى بغداد، ونزل بدُرْتا في الخيم، فماج الناس ببغداد، وتحرَّك العيَّارون، وظهر من كان مُسْتَترًا من أصحاب عز الدولة، وقتل أبو تَغْلِب جماعةً من العَيَّارين، وأنفذ أخاه إبراهيم إلى النجمي (٢) فأنزله به، وسيَّر أبا السرايا بن سعيد بن حَمدان إلى واسط مَدَدًا لعزِّ الدولة، وعَقَد الجِسر بقطيعة أمّ جعفر، وعبر بنفسه إلى الجانب الشرقي فاخترقه، وعاد إلى عسكره، وقبض على أصحاب الأتراك، وتتبَّع أسبابهم (٣)، وأدخل يده في أموالهم.

ولما بلغ ذلك الأتراك ساروا بأجمعهم مع الطائع لله إلى بغداد، فوَرَد أوائلهم يوم الجمعة رابع عشر ربيع الآخر، ومعهم جمعٌ كثيرٌ من العامَّة والعَيَّارِين، وصاروا إلى قصر فرح بإزاء معسكر أبي تَغْلب، وهَتفوا به، وشتموه أقبحَ شَتْم.

ودخل الطَّائعُ والأتراك بغداد من الغد، ورحل أبو تغلب إلى الجَلْحاء، وخَلَّى عن الجانب الغربي، واستتر مَن كان ظَهرَ من أصحاب عزّ الدولة، وملك الأتراك الجانبين، وعسكروا بباب الشَّمَّاسِيَّة، ونزل الخليفة في داره، وخلع هفتكين على حَمدان، وجَدَّد الأيمان معه.


(١) في (ف م م ١): وقال الخطيب كان في جملة العيارين، ولم أقف على الخبر في تاريخه، وذكره الهمداني في تكملة الطبري ٤٣٥، وابن الجوزي في المنتظم ١٤/ ٢٣٥.
(٢) كذا، ولم أتبينها، ولم أقف على الخبر بتفصيلاته هذه.
(٣) في (خ): آثارهم.