للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الجماعة في ذلك الأمر، وحمل كذا وكذا، فقام أبو عمرو على رؤوس الناس وقال: يا أبا عثمان، إنما حملتُ إليك ذلك المال من مال أبي، فينبغي أن تَرُدَّ عليَّ المال لأرُدَّه إليه، فأمر بردِّ الكيس إليه على رؤوس الناس، فلما كان وقت العتمة جاء إلى أبي عثمان ومعه الكيس، فقال: يمكن أن تَصرِف هذا في ذلك الوجه ولا يعلم به غيرُنا، ثم رمى بالكيس وقام، فبكى أبو عثمان، وكان يقول بعد ذلك: مَن مثلُ هِمَّة أبي عمرو.

وقال أبو عمرو: مَن كَرُمَت عليه نفسُه هان عليه دينُه، ومن لم تهذبه مروءتُه (١) فاعلم أنه غيرُ مُهَذَّب.

وقال: إذا أراد الله بعبدٍ خيرًا رزقه خدمةَ الصَّالحين، ووفَقه لقَبول ما يُشيرون به عليه، وسَهَّل له سُبُلَ الخيرات وحجَبه عن رؤيتها.

وقال: إنما تتولَّد الدَّعاوى من فَساد البدايات، فمَن صَحَّت بدايتُه صحَّت نهايتُه، وقرأ قوله تعالى: ﴿أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيرٌ﴾ الآية [١٠٩: التوبة].

وقال: من سَهُل عليه إسقاطُ جاهه عند الخلْق سَهَّل الله عليه الإعراضَ عن الدنيا وأهلها.

وقال: مَن استقام لا يَتعوَّج به أحدٌ، ومن اعْوَجَّ لا يستقيم به أحد.

واجتمع مع جماعةٍ فيهم النَّصراباذي، فقال للقوَّال: قل شيئًا فهو خير لنا من أن نغتابَ أحدًا، فقال له أبو عمرو بن نُجَيد: لأن تغتاب ثلاثين سنة أنجى لك من أن تُظهِرَ في السَّماع ما لستَ به (٢).

ركن الدولة الحسن بن بُوَيه أبو علي

كان عاقلًا، شُجاعًا، نَبيلًا، لم يدخل مع الخلفاء في شيء، ولم يَطمع في غير ما في يده، وكان يُراعي وصيَّةَ أخوَيه في أولادهم، ويَحفظ عُهودَهم في أصحابهم


(١) في المصادر: من لم تهذبك رؤيته.
(٢) طبقات الصوفية ٤٥٤، ومناقب الأبرار ٢/ ١٧١، والمنتظم ١٤/ ٢٤٨، والسير ١٦/ ١٤٦، وتاريخ الإسلام ٨/ ٢٣٧ (وفيات سنة ٣٦٥ هـ).