للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسَوَّره، وقَلَّده سيفًا، وعقد له لِوائين بيده؛ أحدهما مُفَضَّض (١) على رسم الأمراء، والآخر مُذْهب على رسم ولاة العهود، ولم يُعقَد هذا اللواء الثاني لغيره ممن يجري مجراه، ولا خُلِع التاجُ على مَلكٍ قبله، ولُقِّب تاجَ الملَّة مُضافًا إلى عضد الدولة، وكتب له عهدًا على ما وراء بابه، وقُرئ بحضرة الخلفاء، فإذا أخذه الرجل منهم قال له الخليفة: هذا عهدي، خُذْه إليك واعمل به، وحمله على فَرسٍ بمركب ذهب، وقاد بين يديه آخر بمركبٍ مثله.

وخرج من حَضرته فاشتق الجانب الشرقي وقد نُصِبت له القِبابُ المُزَيَّنة إلى باب الشَمَّاسِيَّة.

ثم انحدر في طَيَّارٍ إلى داره، وجلس من الغد يوم الاثنين بالخِلعَ، والتَّاجُ على رأسه، وهو على السَّرير، ودخل إليه الناس على طبقاتهم فهَنَّؤوه، وأنشد الشُّعراء.

ثم ركب في يوم الثلاثاء في الجانب الغَربيّ، فاخترقه من النَّجْمِيّ إلى باب التِّبْن وقد نُصِبت له القِباب، ثم نزل في الطَّيَّار إلى داره، وتصدَّق بعشرين ألف درهم.

وذكر أبو الحسن علي بن عبد الله بن حاجب النعمان صِفةَ الخَلْع على عضد الدولة فقال: لما حَضَر عضد الدولة إلى الطائع في مَورِده الثاني إلى بغداد سألَه أن يَزيد في لقبه تاجَ المِلَّة، ويُلْبِسَه التاج، وسبعَ جِباب، وفَرَجِيَّة، وعِمامة، فأجابه إلى ذلك، وصِيغ التاج والطَّوق والسِّوارَين من ألفين وخمس مئة مِثقال.

وكان ترتيبُ الأمر أن جلس الطائع على سرير الخلافة في صدر السِّدِلَّى (٢) من داره في دَسْت خزٍّ أسود مُحَوّم بالذهب، وحوله من خدمه الخواصّ نحو مئةُ خادم بالثياب الجميلة، والمَناطق، والسيوف المُحَلّاة، وقد أحدقوا بالسَّرير، وبأيديهم المَذَابّ، والحُجَّاب والأشراف والأعيان خارج السِّدِلَّى، والطائع جالس وبين يديه مصحف عثمان رضوان الله عليه، وعليه البُردة، وبيده القَضيب، وعلى رأسه الرُّصافِيَّة، وضُربت على الأساطين الوُسْطى سِتارةُ دِيباجٍ أنفذها عضد الدولة، وسأل أن تكون حجابًا بين الخليفة والناس؛ لئلا تقع عين أحد من الجُند عليه قبله.


(١) أي مُوَشى بالفِضَّة. وينظر المنتظم ١٤/ ٢٥٣ وتاريخ الخلفاء ١/ ١٦٨.
(٢) معرب، وأصله بالفارسية: سه دله، كأنه ثلاثة بيوت. تاج العروس، وفي تكملة المعاجم لدوزي ٦/ ٥١: سِدِلَّة: مصطبة، صُفَّة، أريكة.