للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مكان، واتَّفق أن زَورقًا كبيرًا جاء وفيه قَصَب، فساقه الماء إلى الفُوَّهة التي انفتحت عند الزَّاهر فسدَّها، وعاجلوا بالتُّراب فوقه وطَمَروه فيها، ودُفن في موضعه، فكان سببًا في سدِّ الفُوَّهة، ثم أصبح الماء ناقصًا ففرح الناس.

وفي يوم الاثنين الثاني من شَوَّال خرج عضد الدولة من بغداد قاصدًا عز الدولة وأبا تغلب، وخرج الطائع معه بالجيش كله، ودخل أبو علي الفارسي على عضد الدولة لما أراد الخروج لقتال عز الدولة، فقال له: ما رأيناك في صُحبتنا (١)! فقال: أنا من رجال الدعاء لا من رجال اللقاء، فخار الله للملك في عزيمته، وأنجح قَصْدَه في نهضته، وجعل العافيةَ زادَه، والظَّفَرَ تُجاهَه، والملائكةَ أنصارَه، وأنشد: [من المنسرح]

ودَّعْتُه حيث لا تُودِّعُه … نفس ولكنها تسيرُ معه

ثم تولَّى وفي الفؤاد له … ضِيقُ مَحَلٍّ وفي الدُّموعِ سَعَه

فقال له عضد الدولة: بارك الله فيك، فإني أَثِقُ بطاعتك، وأتيقَّن صفاءَ طَويَّتِك، وقد أنشدنا بعض أشياخنا بفارس فقال: [من مخلع البسيط]

قال لهم (٢) إذ سار أحبابُه … وبدَّلوه البُعدَ بالقُربِ

والله ما شَطَّت نَوى ظاعِنٍ … سار من العَينِ إلى القَلْبِ

فدعا له أبو علي وقال: أيأذن مولانا في نقل هذين البيتين؟ قال: نعم، فاستملاهما منه.

والتقوا يوم الأربعاء لاثنتي عشرةَ ليلةً بقيت من شوّال، ووقف عَضُد الدولة في القلب، ووقف الناس بين يديه، واشتدَّت الحرب، وقُتل من الفريقين جماعة، وكان الطائع في عِدَّةٍ من الفُرسان والرجال مع الأثقال والسّواد، فنصر الله عضد الدولة، وانهزم عز الدولة عند ارتفاع النهار فأُخِذ أسيرًا، وهرب أبو تَغْلِب ومعه عمدة الدولة وأبو طاهر ابنا معز الدولة وأبو كاليجار بن عز الدولة.

ذكر السبب في هزيمتهم:

كان عضد الدولة لما اتفق عز الدولة عليه وأبو تغلب وتحالفا أعمل الحيلة في إفساد ما بينهما، فدسَّ كتابًا إلى أبي تغلب على لسان بعض ثِقاته يقول: قد صحَّ عندي أن عزَّ


(١) في المنتظم ١٤/ ٢٥٢: ما رأيك في صحبتنا؟
(٢) في المنتظم ١٤/ ٢٥٣: قالوا له.