للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الدُّعاء والصِّياحِ، فقلت: يَا مولانا، بلدٌ قد غبتَ عن أهله زمانًا، ونفوس أهله متطلِّعة إليك ثم تُريد منهم السُّكوت!؟ فقال: ما أعرف ذلك إلَّا منك. وكان أهل بغداد قد تلقَّوْه بالكلام الفاحِشِ في نَوْبة عزِّ الدولة، فما أحبَّ أن يَدعوا له بتلك الألسُن.

قال محمَّد العلوي: فدعوتُ أصحابَ المعونة وقلت: قد أمر الملك بكذا وكذا، فأشيعوا أن في مُقابلةِ ذلك ضَرْبَ الأعناق، فأشاعوه، ووقفت الغلمانُ في الأماكن واحتَرزَت، فلما دخل بغداد لم يَنطق أحدٌ بحرف، فعجب من طاعة العوام للعلوي وقال: هؤلاء أضعافُ جُندنا وقد أطاعوه، فلو أراد بنا سوءًا لأوقعه، ثم عَزم على مُصادرته، فنظر في روزمانجات حسابه أَلْف أَلْف درهم باسم العلوي في معاملاته، فقبض عليه، واستولى على أمواله (١).

وهذا محمَّد العلوي هو الذي كان عضد الدولة يَشكره ويقول: ما رأيتُ في بغداد سوى رجلين: العلوي وابن أُمِّ شَيبان، وكان هذا فعلُه معه فكيف بمن لا يَشكره، وما عسى العوام أن يفعلوا؟! وإنما جعل ذلك وسيلةً إلى استئصاله وأخذِ ماله.

وبعد دخول عضد الدولة بغداد زُفت إلى الطائع ابنتُه، وحُمل معها من الحليّ والجواهر والثياب والأمتعة ما لم يُحمل مع غيرها (٢).

وفيها غَرِقت بغدادُ من الجانبين، وأشرف أهلُها على الهلاك، ووقَعت القَنْطَرَتان اللَّتان على الصَّراة، فغَرِم على بنائهما أموالًا كثيرة، وحجَّ بالنَّاس أبو الفتح أَحْمد بن عمر العلوي، وخُطب بمكة والمدينة لصاحب مصر، ولم يُذكر الطائع.

[فصل وفيها تُوفِّي

أَحْمد بن سعيد بن سعد

أبو الحسين، البغداديّ، وكيل دَعْلَج بن أَحْمد.

سمع الكثير، وكان زاهدًا عابدًا، خرج حاجًّا من بغداد فتوفي بمكة، وقيل: بين المكة والمدينة في المحرم.


(١) المنتظم ١٤/ ٢٧٥ - ٢٧٧.
(٢) من بداية السنة إلى هنا ليس في (ف م م ١).