للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان سبب اعتقاله الكتبَ التي قدَّمنا ذكْرَها، وكثرةَ ماله، فأخذ منه عضد الدولة مئة أَلْف درهم وحبسه، فكان يَمدحه بالقصائد وهو مَحبوس، وخرج عضد الدولة إلى الكوفة لزيارة المَشْهَد، فلما عاد إلى بغداد كتب إليه: [من الكامل]

أهلًا بأشْرَفِ أوْبَةٍ وأَجَلِّها … لأجَلِّ ذي قَدَمٍ يُلاذُ بنَعْلِها

يَا خيرَ مَن زَهَتِ المنابرُ باسمِه … في دولةٍ عَلِقَت يداه بحَبْلِها

أرْضَيتَ ربَّك والرسولَ وآلَه … والناسَ في حَزْنِ البلادِ وسَهْلِها

كانت زيارتُك الغِنى في أهلها … بيدٍ تَعُمُّهُمُ بفائضِ بَذْلِها

مَولايَ عبدُكَ حالِفٌ لك حَلْفَةً … تَعْيى منَاكبُ يَذْبُلٍ عن حَمْلِها

لقد انتهى شَوقي إليكَ إلى التي … لا أستطيعُ أُقِلُّها من ثِقْلِها

لو بِعتَني بجميع عُمري لَفْظَةً … أو لَحظةً بالطَّرْفِ لم أَسْتَغْلِها

قَضَّيتُ سابِغَةَ السّنين مُقاسيًا … غَمَّاءَ مَحْبِسِها وحَلْقَةِ كَبْلِها

لم تُخْلِني ساعاتُها من رَوْعَةٍ … وكذا أنا من دَمْعَةٍ لم أُخْلِها

بُدِّلْتُ فيها من غُرابي بازيًا … بل بومَةً شَمْطاءَ لم أَسْتَحْلِها

أَفَتَسْتَمِرُّ بي المناحِسُ هكذا … في دَولةٍ أنا واحدٌ من أهلها (١)

من أبيات طويلة، فلما قرأها عضد الدولة رقَّ له وقال: هذا المسكين قد طالت حَبْسَتُه، وأمر بإطلاقه، ومضى إلى داره، وشَغَله عن النَّظَر في حالة مَرضُه، وافتقده غير مرة.

وفيها قَلَّد الطائع كتابَته أَبا القاسم عيسى بن عليّ بن عيسى، وخَلَع عليه، وصَرف عيسى بن مروان النصراني عنها (٢)، وحجَّ بالنَّاس أبو عبد الله العَلوي.

وفيها تُوفِّي

أَحْمد بن إبراهيم بن إسماعيل

أبو بكر، الجُرْجاني، الحافظ.


(١) معجم الأدباء ٢/ ٤٢ - ٤٤.
(٢) من قوله: وفيها اتفق فخر الدولة وقابوس … إلى هنا ليس في (ف م م ١).