للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولد بقرية من قرى القيروان يقال لها: كَرْكِنْت [ضبطها الخطيب بكافين، وكان أوحد زمانه؛ قال الخطيب] (١): كان أوحدَ عصره في الورع والزهد والعزلة، [لقي الشيوخ بمصر، ثم دخل بلاد الشام، وصحب أبا الخير الأقطع، وجاور بمكة سنين فوق العشر، وكان لا يظهر في المواسم، ثم انصرف إلى العراق [لمحنةٍ لحقته بمكة في السنة، فسُئِلَ المُقام ببغداد، فلم يُجِبْهم] ومضى إلى نيسابور، فأقام بها، وكانت له كرامات، وكان أبو سليمان الخطابي يقول قد قال النبي لعمر: "قد كان في الأمم مُحدَّثون، فإن يَكُ في أمتي فعُمر (٢) " وأنا أقول: إن كان في هذا العصر أحدٌ من المُحدَّثين فأبو عثمان.

وقال أبو عثمان (٣): كنت ببغداد، فكان بي وجعٌ في مثانتي، فكنتُ أستغيث بالله، فناداني بعض الجنِّ وقال: ما استغاثتُك [بالله] وغوثُه منك ببعيد؟! ثم قَرَّب إليَّ سطلًا، فبُلْتُ فيه، فخرج مني شيءٌ بقوة، فضرب وسط السطل حتى سمعتُ له صوتًا، فإذا هو حجزٌ قد خرج من مثانتي، وذهب الوجع مني، فقلت: ما أسرعَ الغوث! وكذا الظنُّ به.

[وذكره ابن خميس في المناقب وقال:] وكان أبو عثمان أوحدَ المشايخ في طريقته وتقدُّمه، ولم يُرَ مثلُه في علوِّ الحال، وصَونِ الوقت، وصحَّةِ الحكم بالفراسة، وقوةِ الهيبة.

سُئِلَ عن الاعتكاف، فقال: حفظ الجوارح تحت الأوامر.

وقال: من تحقَّقت عبوديَّتُه ظهر سِرُّه على مشاهدة الغيوب، فأجابته القدرة إلى ما يريد.

وقيل له: إن فلانًا سافر! فقال: يجب أن يسافر عن هواه وشهوته، وإلَّا فالسفر غُربةٌ، والغربة ذِلَّةٌ، وليس للمؤمن أن يُذِلَّ نفسَه.


(١) ما بين حاصرتين من (م) و (م ١)، وكلام الخطيب الآتي في تاريخ بغداد ٩/ ١١٢ - ١١٣، وما بين حاصرتين منه.
(٢) أخرجه أحمد (٨٤٦٨)، والبخاري (٣٤٦٩) و (٣٦٨٩) من حديث أبي هريرة ()، وأحمد (٢٤٢٨٥)، ومسلم (٢٣٩٨) من حديث عائشة (). والمُحدَّثون: هم الذين أُلْهِمَ إليهم.
(٣) في (م) و (م ١): روي الحديث بإسناده إلى أبي عثمان قال.