للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له نحرير: فإن لم تقتُلْه فاكحُلْه لتأمَنَه على ولدك. وغلَبَ على رأيه، فكتب نحريرٌ عنه إلى العلاءِ بن الحسن والي سيراف وعاملٍ يهوديٍّ كان معه -وكان صَمْصام الدولة في بعض قلاع سيراف مع محمد الفرَّاش- أن يُمكِّناه ممَّا قَدِم لأجله، وجاء الفرَّاش إلى اليهوديِّ بالكتاب، فقال: هذا أمرُ ملكٍ قد مات، فلا بُدَّ من مشاورة العلاء. فشاوره، فقال: مَكِّنْه. وقال نحريرٌ للفرَّاش: اسْتَقصِ (١) في كحلِه ثلاثة أيام، وأعطاه شرف الدولة كحلًا يشدُّ عينيه فيه، وتوفِّي شرف الدولة، وصعد الفرَّاش فكحلَه كحلًا ذهب به بصرُه.

وكان في جملة الموكَّلين بصمْصام الدولة فرَّاشٌ يُسمى بُندارٌ، وقد أَنَسَ به صَمْصام الدولة، فقال الفراش: كيف المَلِك؟ فقال له على وجه الاسترسال والأُنس به؛ لأنَّ مدَّته معه كانت قد تطاولَتْ: قد بقيَ من نظري بقيَّةٌ أُبصِرُ [الضوء] (٢) بها من تلك الرَّوزنة. فأعاد بندارٌ الحديثَ على محمدٍ الفرَّاش، فأدخل مِبْضَعًا في عينيه، وأخرجَ به حَدَقتَيه، فلمَّا ملك صَمْصام الدولة جرى ذلك الفرَّاش في خدمة صَمْصام الدولة على عادته في خدمته في القلعة، فثَقُل على صَمْصام الدولة أمرُه، وقال لبعض خواصِّه: ما أستطيعُ أسمعُ صوت بُندار، فأبْعِدوه عني. فقال بُندار: كذا أستحقُّ من المَلِك بعد أن خدمتُه الخدمة الكثيرة، وصحبتُه المدة الطويلة! وبلغ صَمْصام الدولة، فسكتَ على مَضَض، فلمَّا اجتمع الأمير أبو طاهر بِصَمْصام الدولة قال له: بحياتي إلَّا أخبَرْتَني بِمَ فعل بكَ بُندارٌ. فامتنَعَ، فألحَّ عليه، فأخبرَه، فلمَّا خرج من عنده أخذ بُندارًا فصلبَه حيًّا، ورماه الدَّيلم بالرُّوبينات (٣) حتى مات، وكان صَمْصام الدولة يقول: ما سملني إلا أبو العلاء؛ أمضى أمر ملكٍ قد مات [فكان يقول: العجب من إمضاء أمر ملكٍ قد مات] (٤)، وهرب محمد الفرَّاش إلى مصر فمات بها.

وفي جمادى الأولى ظهر كوكب الذؤابة ثم اضمحلَّ.


(١) في الأصل (خ): استيقض!.
(٢) ما بين حاصرتين من (ب).
(٣) جمع زُوبين: وهو الرمح القصير. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص ٨١.
(٤) ما بين حاصرتين وزيادة من (ب).