للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي جمادى الآخرة تُوفِّي شرف الدولة، وقام ابنُه مقامَه وكان عليه استسقاء وفساد مزاج، وامتنع من الحمية، وخلَّطَ، وأخرج ابنَه أبا علي ووالدته وحرمَه وأهله إلى فارس نائبًا عنه، وضمَّ إليه جماعة من الجند والقُوَّاد، وكان خروجُه يوم السبت ثامن عشر جمادى الأولى، واشتدت العِلَّةُ بشرف الدولة، فراسله القُوَّاد باستخلاف أبي نصر، فأجاب واستخلفه.

ومات شرف الدولة في جمادى الآخرة عصر الجمعة ثاني يومٍ منه، وحُمِلَ إلى المشهد بالكوفة، فدُفن عند عَضُد الدولة، وكان عمرُه ثمانيًا وعشرين سنة وخمسة أشهر، ومدَّة أيامه في بغداد سنتان وثمانية أشهر (١).

وأظهروا موته، وجاء الطانع مُعزِّيًا على العادة في أُبَّهة الخلافة، وتلقَّاه الأمير أبو نصر، وقبَّل الأرض ودعا، ولم يُمكِنْه من الصعود من الطيار، وبعث أبو نصر يطلب منه الخِلَع والتقليد، فقال: على أن تحلف لي أنك تكون كما كان أبوك. فحلف، وجُدِّدتِ الأيمانُ بينهما.

ولمَّا كان عاشر جمادى الآخرة ركب أبو نصر إلى حضرة الطائع، فخلع عليه الخِلَع السُّلطانية، وقُرئ عهدُه بين يديه، ولقَّبه بهاءَ الدولة وضياءَ الملَّةِ، وعاد إلى دار المملكة وجلس للهناء على العادة، وضُرِبَتْ له القباب، وأقرَّ أبا منصور بن صالحان على الوزارة، وخلع عليه، وقُبِضَ على نحرير الخادم، وسُلِّم إلى الحسين الفرَّاش، فاعتقله في داره ثم قتله، واعتُقِلَ الفرَّاشُ في دار نحرير وقُتِلَ بها، وكان ذلك من أعجب الاتفاقات.

وشرح القصة: أن بهاء الدولة كان حسنَ الرأي في نحرير أيام شرف الدولة، كثيرَ الوصف له، فلمَّا مات شرف الدولة لبس نحريرٌ الصوف وتزهَّد، وانقطع عن بهاءِ الدولة، فاستدعاه بهاءُ الدولة ولاطفه، وأراد منه أن يجري في خدمته على ما كان مع أبيه، فامتنع نحريرٌ وقال: لستُ أصلُحُ لخدمةِ أحدٍ بعد مولاي، ولا يُنتفع بي في عمل، بل الانقطاع إلى بعض المشاهد. وبهاء الدولة يسأله مرارًا وهو يمتنع، فدمعَتْ عينا بهاء الدولة، وقال: افعَلْ لله تعالى، وهو عليَّ لَجاجةٌ.


(١) خبر وفاته هذا في المنتظم ١٤/ ٣٤٠.