للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاجتمع به الشريفُ أبو الحسن محمد بن عمر، فأغلظ له، وقال: يا نحرير، قد أسرفت في الدالَّةِ وسُمْتَ بنفسك ما لا تساويه، ومن أنت حتى تمتنع على هذا الملك العظيم هذا الامتناع؟! ولكن قد أبطرَتْكَ الأموالُ التي أخذتَها، والذخائرُ التي أعددتَها. ونحريرٌ مُطرقٌ، فلمَّا زاد عليه رفع رأسَه وقال: أيها الشريف، أين كان قولُكَ هذا في أيام مولاي؟ وأنت ترى أفضلَ أيامك إذا تبسَّمتُ في وجهكَ، وقد كنتَ تغشاني ولا أغشاكَ، وتخدُمُني ولا أخدُمُكَ، وتحتاجُ إليَّ ولا أحتاجُ إليك!.

وكان حسينٌ الفرَّاش عدوَّ النحرير، فما زال يتخرَّص عليه عند بهاء الدولة، حتى قال: قد عزمَ على أخْذِ أموالهِ وذخائرِه ويهرب، وإن اعتقلتَه في غير داري شغَبَ الجندُ وقامت فتنة، فأمره باعتقاله في داره، فحبسه في عُلِّيَّة، ثم أدخل عليه أُناسًا فقتلوه، وبلغ بهاءَ الدولة، فقامت عليه القيامة، واستدعاه وقال: ويحك! ما هذا؟ قال: دخل عليه أعداءٌ له فقتلوه، ولم أعلم. فوَجَم بهاءُ الدولة، وبحث عن القصة، فلم يجِدْ لها أصلًا، فاعتقل حُسينًا الفَّراشَ مدةً، ثم أطلقه، ثم قُتِلَ بعد ذلك.

وفيها ورد فخر الدولة هَمَذان طالبًا لملك العراق، ووقعت المراسلة بينه وبين بهاء الدولة، واقتتلوا أيامًا، وقُتِلَ من الفريقين خلقٌ كثيرٌ، وكان التُّرك أقوى من الدَّيلم، وكان الفريقان في الخيام بظاهر البلد، فركب بهاء الدولة ليُصلح بينهم، فلم يلتفتوا، فنزل في خيام التُّرك؛ لأنهم كانوا أظهر، ثم ما زال حتى أصلح بينهم، فتحالفوا، ومع هذا فكانت نفوس التُّرك أقوى؛ لأن بهاء الدولة كان في حَيِّزهم، ثم تسلَّل الدَّيلم بعد هذه الوقعة؛ بعضهم إلى الموصل، وبعضهم إلى هَمَذان، وبعضهم إلى الأهواز، وضَعُفُ أمرُهم، وصارت الدولة للأتراك، واشتدَّت شوكتُهم].

وفيها نزل صَمْصام الدولة من القلعة التي كان بها محبوسًا، [هو وأبو طاهر، وأقاما مدَّة مُعتَقَلَين، ولم يعلَمْ كلُّ واحدٍ منهما بصاحبه، وذلك أنه لمَّا شاع موت شرف الدولة كان صَمْصام الدولة وأخوه أبو طاهر وجماعة من أعيان الدَّيلم بها، فنزلوا وحصلوا (١) بسِيراف، واجتمع الدَّيلم على تمليك صَمْصام الدولة وأبي طاهر، وأظهروا طاعتهما، وساروا فملكوا فارش، وكان شرف الدولة قد بعث نائبه أبا علي وحُرَمَه إليها وأمواله،


(١) في (ب): وخلصوا. والمثبت من (خ)، والمعنى: أقاموا، وهي من تعبيرات ذلك العصر.