للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للصاحب: ما هذا؟ فقال: هذه البلاد تحتاج إلى بذل الأموال، وأنا ضامنٌ لك أني أردُّ عليك في سنة خمسة أضعافَ ما يخرج، فما ملك العراق هيِّن، فامتنع من إخراج المال، وكان شحيحًا، وضاق صدرًا بالمقام مع اضطراب الأمر عليه، وانصراف الناس عنه، فعاد إلى الريِّ في صفر سنة ثمانين، ولو أنفق الأموال لملك البلاد.

وأمَّا بهاء الدولة فإنه لمَّا بلغه أن فخر الدولة بالأهواز انزعج وخاف، وندَبَ الحسين بن علي الفرَّاش بالخروج في هذا الوجه، والقيام فيه بتدبير الحرب، ولقَّبَه بالصاحب؛ مغايظةً للصاحب بن عبَّاد، وخلع عليه كما يخلع على الصاحب، وقاد بين يديه مراكبَ الذهب، ومشى بين يديه خمسُ مئة من قُوَّاد الدَّيلم، وجهَّز معه العساكر، وخرج بهاء الدولة لِوَداعه -وذلك في ذي القعدة- وسار مثل الملوك، إذ مدَّ السّماط (١) لتقوم الدَّيلم والتُّرك سماطَين، ويدور عليهم فنون الأطعمة، فإذا فرغ خرجت البُقَجُ فيها الخِلَعُ للقُوَّاد، وإذا جلس للشرب فعَلَ ما لم يفعَلْه ملِكٌ قبلَه، وكان قبل ذلك يشدُّ وسطَه ويكبس الدار، وكان الذي أشار بإخراجه في هذا الوجه أبو الحسين المعلم، ليُبعِده عن بهاء الدولة؛ لأنه فإن قد غلب عليه، فلمَّا حصَلَ بواسط وبعُد عنه، حُكيت له حكاياتٌ انفسخ (٢) بها رأيُه فيه، وقالوا له: قد طمع في الملك. فأمر بالقبض عليه، وبعث إليه جماعةً فأدركوه بمَطَارة (٣)، فقبضوا عليه، وقيَّدوه، وبعثوا به إلى بغداد، فأنزلوه في دار نحرير الخادم، فتقدَّم بهاء الدولة بإخراج لسانه من قفاه، ففعل به ذلك في دار نحرير ومات، فرُمي به في دِجلة، فكان بين الخَلْع عليه وقتلِه شهران وأيامٌ، ولمَا بلغ بهاءَ الدولة رجوعُ فخر الدولة سجد وباس الأرض، وقال: الحمد لله الذي لم يكن للحسين الفرَّاش فيه صنع.

وفيها ملك أبو طاهر وأبو عبد الله ابنا ناصر الدولة الموصل.


(١) السِّماط: الصف. المعجم الوسيط (عط).
(٢) انفسخ: فسد. المعجم الوسيط (فسخ).
(٣) المَطَارة: قرية من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات. معجم البلدان ٥/ ١٤٧.