للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة الرابعة والثمانون وثلاث مئة]

وفيها ظهر عَيَّار من باب البصرة ببغداد -يقال له: عزيز- واستفحَلَ أمرُه، واجتمع إليه خلقٌ عظيمٌ (١) من الشُّطَّار (٢)، وطرحَ النيرانَ في محالِّ بغداد، وطلبَ أصحابَ الشُّرَط، وصالح أهلَ الكَرْخِ، وجبى الأسواق، وكاشف السلطانَ وأعوانَه، ثم تبعه أعوان السلطان، وقتلوا جماعة من العيَّارين.

وقال الخطيب: مرَّ عبد الصمد الزاهد بعزيز -وقد خرج مع العيَّارين- وأمُّه تبكي، وتقول: يا عزيز، بحقِّي عليك ارجِعْ ولا تُعَرِّض نفسَكَ للقتل. فقال لها: لا تُطوِّلي عليَّ، قد قلتُ للعيَّارين أنِّي خارجٌ معهم، ومِثلي إذا قال قولًا لا يرجعُ فيه، اطلُبي عزيزًا غيري، فساروقتي (٣) في جيبي. فبكى عبد الصمد، وأخذ إشارةً من قول عزيز، فكانت نفسُه إذا طالبَتْه بشهوةٍ يقول لها: قد تركتُ الشهواتِ لله، ولا يُمكِنُنِي أرجع فيها، اطلبي عزيزًا غيري، وساروقتي في جيبي.

وفيها سار صَمْصام الدولة من شيراز يريد الأهواز، وخرج بهاء الدولة من بغداد، ونزل واسطًا، وبعثَ طُغان في ألفي فارس من التُّرك، فالتقوا بأرض خوزستان، وكان صَمْصام الدولة قد أقبلَ في جيشٍ عظيمٍ وأموالُ الدَّيلم معه وسلاحُهم، وما أبقى وراءه بقية، والتقوا فاقتتلوا، فانهزمتِ الدَّيلم عن صَمْصام الدولة وبقي على بغلةٍ، فساقوه، وانهزموا، وغَنِمَ التُّرك منهم غنيمة لم يغنمها أحدٌ، وقتلوا من الدَّيالمة أربعةَ آلاف، وعاد صَمصام الدولة إلى شيراز، ودخل طُغَان إلى الأهواز، وكتب إلى بهاء الدولة بالفتح وهو بواسط.

وفيها أشار أبو نصر خواشاده بمراسلة فخر الدولة وتألُّفِه؛ لئلَّا يصير موافقًا لصَمْصام الدولة، وخرج بالكتاب والرسالة أبو الحسن محمد الأَقْساسي العلوي.


(١) في (ب) و (م ١): كثير.
(٢) الشُّطَّار، جمع شاطر: وهو الفاجر الخبيث. ووقع في المنتظم ١٤/ ٣٦٩ والكلام منه بمعناه الذُّعَّار؛ جمع ذاعر، أي: ذو عيوب. ينظر المعجم الوسيط (شطر) و (ذعر).
(٣) الساروقة: قماشة مربعة الشكل غالبًا. المعجم الذهبي ص ٣٢٥.