للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان الصاحب يُنفِذُ في كل سنة إلى بغداد خمسةَ آلاف دينار، تُفَرَّقُ في أهل الأدب والفقهاء.

وكان يُبغض من يميل إلى الفلسفة والمنطق.

وكان يأمر بالمعروف، ولا تأخذه في الله لومةُ لائم.

وأهدى إليه القاضي العميريُّ كُتبًا كثيرةً، وكتب معها: [من الخفيف]

العميريُّ عبدُ كافي الكُفاةِ … وإنِ اعتُدَّ في وجوهِ القُضاةِ

خدمَ المجلسَ الرفيعَ بِكُتْبٍ … مُفعَماتٍ من حُسنِها مُترعاتِ

فأخذ منها كتابًا وكتب معها ورَدَّها:

قد قبِلْنا من الجميع كتابًا … ورَدَدْنا لوقتِها الباقياتِ

لستُ أَستغنِمُ الكثيرَ فطبعي … قولُ خُذْ ليسَ مذهبي قولَ هاتِ

وكان حليمًا، رقيقَ القلب، استدعى يومًا بشرابٍ، فجيء بقدحٍ فيه شراب، فقال له بعضُ خواصِّه: لا تَشْرَبْه، فإنه مسموم. قال: ومِنْ أين أعلم؟ قال: جَرِّبْه في الَّذي أعطاكَه. قال: لا أستحِلُّ. قال: ففي دجاجةٍ. قال: المُثْلة بالحيوان لا تجوز. فصبَّ القدح بما فيه، وقال للغلام: لا تدخُلْ داري. ولم يقطَعْ عنه جِرايتَه.

وكان الصاحبُ أفضلَ وزراء الدَّيلم، ووَزَر لهم جماعة في ملكهم، وكان مُلْكُهم مئةً وعشرين سنة، وهو أولُ من لُقِّب بالصاحب في الإسلام.

وصنَّف كتبًا كثيرة في اللغة وغيرها، وله الكلام الحسن [المليح]، فمنه في صفة الحَرِّ: حَرٌّ يُشبه قلبَ الصَّبِّ، ويُذيبُ دِماغَ الضبِّ. وقال: الغيث لا يخلو من العَيْث (١). وقال: هو بين جاهٍ عريض وعيشٍ غريض (٢). وقال: لا ضَيعةَ على من له صَنْعة. وقال: شِيَمُ الأحرارِ أَحْرارُ الشِّيَم، ونِعَمُ الأفاضِلِ أفاضلُ النِّعم. وقال يصف شقائقَ النُّعمان: قابلَتْني شقائقُ كالزُّنوج، تجارحَتْ فسالَتْ دِماؤُها، [وضَعُفَتْ] (٣) فبقيَ ذَماؤُها (٤). وقيل له: ينبغي أن تمنعَ الناس من دارك، فإنه يدخلُها مَنْ لا يليق. فقال: دارُنا هذه خانٌ ينزلها من وفَّى ومَنْ خان.


(١) العَيْث: الإفساد. الصحاح (عيث).
(٢) الغريض: الطري. الصحاح (غرض).
(٣) ما بين حاصرتين من يتيمة الدهر ٣/ ٢٨٨.
(٤) الذَّماء: بقية الروح في المذبوح. الصحاح (ذمي).