للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ودخل عليه أبو القاسم عبد الصمد بن بابَك الشاعر، فقال له الصاحب: أنتَ ابنُ بابَك؟ فقال عبد الصمد: أنا ابنُ بابِك. فعجِبَ الصاحبُ من جوابه، ووصله.

ولمَّا سار مع فخر الدولة إلى الأهواز مرض، فلمَّا عُوفي أباح للفقراء جميعَ ما كان في داره من مال وفُرشٍ وأثاث [وغيره]، وكانت قيمتُه خمسين ألف دينار.

ذكر وفاته:

مرض بالرَّيِّ بعلَّة الذَّرب (١) والسَّجَج (٢)، فكان إذا قام من الطَّست ترك عنده عشرةَ دنانير فيأخذها الفراشون [فكانوا يتمنَّون دوام مرضه.

وقال ابن الصابئ]: ولمَّا اعتَّل مُنِعَ عنه التركُ والدَّيلمُ والعالمُ والملوكُ [من الدخول عليه]، فكانوا يأتون كلَّ يومٍ إلى [بابه فيقبِّلون العتبة وينصرفون؛ لأنه كان محسنًا إليهم، وكان فخر الدولة يأتي كلَّ يومٍ] إلى عيادته، فلما يئس منه قال: أوصِني. قال: قد خدمتُكَ خدمةً استفرغْتُ فيها الوُسْعَ، وسرتُ في دولتك بالسِّيرةِ التي حصل لك بها حُسنُ الذِّكر، فإن أجريتَ الأمور بعدي على رسومها نُسِبَ الجميلُ إليك، واستمرت الأُحدوثة الطيِّبةُ عنكَ، وأُنسيتُ أنا في أثناء ما يُثنى به عليكَ، وإن عَدَلْتَ عن ذلك السَّننِ وغيَّرتَ كُنْتُ أنا المشكور على ذلك، وقدَح فِعلُكَ في دولتِكَ. فقال: سمعًا وطاعة.

وكانت وفاته بالرَّيِّ عشيةَ ليلة الخميس، لخمسٍ بَقِينَ من صفر [من هذه السنة] ولمَّا خرج تابوتُه قام الملوك [والوزراء] (٣) والأمراء والأعيان؛ إعظامًا له، وقبَّلوا الأرضَ، وصلَّوا عليه، وعلَّقوا التابوت بسلاسل في بيت كبير، ثم نُقِلَ إلى أصبهان، فدُفِنَ في تربةٍ كانت له هناك، وأخذَ فخرُ الدولة جميعَ ما كان في يدهِ ودارِه، وبلَغَه أنَّ القاضي عبدَ الجبار قال: إنَّ الصاحِبَ لم يَمُتْ عن توبةٍ [ظهرَتْ] منه. فأرسل فخرُ الدولة فقبضَ عليه، وصادره على ثلاثة آلاف ألف درهم، فيقال: إنه باع ألف طَيلسانٍ وألفَ ثوبٍ من الصوف.

مات والده عبَّاد بن العباس (٤) بعده بيسير في هذه السنة، وكُنيته أبو الحسن، وكان رئيسًا فاضلًا، سمع الحديث، وصنَّف كتاب "أحكام القرآن" [وسمع أبا خليفة الفضل


(١) الذَّرب: الداء الَّذي يعرض للمعدة فلا تهضم الطعام، فيفسد فيها ولا تمُسكه. اللسان (ذرب).
(٢) يقال: سجَّ بطنُه سجًّا: رقَّ ما يخرج منه من الغائط. المعجم الوسيط (سجج).
(٣) ما بين حاصرتين من (م ١) وحدها.
(٤) تنظر ترجمته في أخبار أصبهان ٢/ ١٠٣، وينظر معجم الأدباء في ترجمة ابنه إسماعيل الصاحب.