للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الناس بعد ذلك، ودخل عليه عبد الصمد الزاهد ولامه على إباحة السماع، فأنشد: [من المتقارب]

فيا ليلُ كَمْ فيكَ من متعةٍ … ويا صبحُ ليتَكَ لم تقرَبِ

فخرج عبد الصمد مُغضَبًا.

ذكر وفاته:

قال أبو القاسم بن بِشْران: دخلتُ على شيخنا أبي طالب المكي [في] وقت وفاته، فقلتُ: أوصني. فقال: إذا علمتَ أنَّه قد خُتِمَ لي بخير، فإذا خرجت جنازتي فانثُرْ عليَّ اللوز والسُّكَّر وقُلْ هذا للحاذف. فقلت: من أين أعلم؟ فقال: خُذْ بيدي عند وفاتي، فإذا أنا قبضتُ بيدي على يدك، فاعلَمْ أنَّه قد خَتَمَ الله لي بخير، وإذا أنا لم أقبِضْ على يدك وسيَّبتُ يدي من يدك، فاعلم أنَّه لم يَختِمْ لي بخير. فقعدتُ عند رأسه عند وفاته، فقبض يدي قبضًا شديدًا، فلمَّا أُخرِجَتْ جنازتُه نثرتُ عليه السُّكر واللوز، وقلتُ هذا للحاذف كما أمرني، وكانت وفاتُه في جمادى الآخرة، ودُفِنَ قريبًا من جامع الرُّصافة شرقيَّ بغداد.

حدَّث عن علي بن أحمد المِصِّيصي وغيرِه، وروى عنه محمد بن المظفر وغيرُه.

ولا خلافَ أنَّه كان صالحًا عابدًا زاهدًا، وله مصنَّفاتٌ في التوحيد، والأحاديثُ التي أُنكِرَتْ عليه إنما هي مما يتعلَّق بالصِّفات وغيرِها، وكتابُ "القوت" كتابٌ مفيدٌ صدَرَ عن مجاهداتٍ وذَوْقٍ، ومعاملاتٍ وتَوْقٍ، ورياضاتٍ وشَوْقٍ (١)، ولم يصنَّف قبلَه في فنِّه مثلَه، وانتفع به الغزالي، فإنه سَلَكَ أسلوبه في كتاب "الإحياء"، وقد انتفع به خلق كثير، وأمَّا ما نُقِلَ عنه من الشَّطح فمحمولٌ -على ما يبدو- من القوم في حالة القبض -إن ثبت عنه- فإنه كان أورعَ من أن يتلفَّظ بمثل هذه الكلمات التي تُوقعه في المحظورات.


(١) في النسخ تقديم وتأخير: وشوق ورياضاتِ، وأثبت هكذا لاستقامة السجع.