للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وسبب قتله أنه خرج من مَيَّافارقين وأبقى الحاجب حمو بها، واستحجبَ ولده شروه، وسار بعساكره ومعه إخوته، فقال أخوه أبو نصر أحمد في نفسه وقد لاقَوا من الوحل والطين شدةً: لئِنْ ملَّكني اللهُ لأبنيَن ها هنا جسرًا يعبر الناس عليه. وساروا حتى وصلوا إلى تل العلوية قريبًا من آمِد، فنزل الأمير أبو علي هناك، فخرج إليه عبد البر شيخ آمِد، فقدم له هدايا وتُحفًا كثيرةً، وخَلَع عليه الأمير، فانفرد به شروه، وكان يحب الأمير أبا نصر، ويكره أبا علي، فقال له: أيها الشيخ، لا تغترَّ باكرام الأمير إيَّاكَ، فإن هذا خديعةً منه، وما جاء إلا ليوقِع بكم كما أوقع بأهل مَيَّافارقين، فخذوا حِذْرَكم. فقال عبد البر: نحن عبيد الأمير، وتحت طاعتِه، وحكمه فينا نافذٌ، ثم أقام إلى آخر النهار، واستأذن الأميرَ في دخول البلد ليحصل ما يحتاج إليه من الإقامة، ويرتِّبَ أهل البلد للقائه، وقد حَصَل في نفسه من كلام شروه [شيء] (١)، فلمَّا دخل البلد جَمَع المُقدَّمين والشُّطَّار وقال: قد علمتُم جَوْرَ هذا الأمير وظلمَه وما فعلَ بأهل مَيَّافارقين. وعرَّفهم ما قال الحاجب، وقال: أنا [إذا] دخلَ البلدَ غدًا نثرتُ عليه الدنانير، فيشتغلُ بها أصحابُه، فاكفونا أمْرَه، ومن باشر القتل فهو أمير المدينة. وتحالفوا على ذلك، فلمَّا طلَعَ الفجر ركب الأمير، وجاء يدخل من باب الماء، فصار في موضع ضيق لا يمشي فيه إلا واحدٌ بعد واحد، فنثر عبد البر على وجهه كفًّا من دنانير، فغطَّى وجهه بِكُمِّه، فوثب أبو طاهر يوسف بن دِمْنة، فصار خلفه على الفرس، وضربه بِسكِّين في خاصرته، ثم مالوا عليه بالسيوف، فقتلوه وقتلوا جماعةً من الذين دخلوا معه البلد، ولم يدخل معه شروه ولا أحدٌ من إخوته، وركبتِ العساكر، فرموا برأسه وجُثَّته إلى أرْزَن (٢) فدُفِنَ بها، وبُني عليه قُبَّةٌ، ومَلَكَ أبو نصر أخوه ولُقِّبَ مُمهِّدَ الدولة، وفوَّض الأمورَ إلى شروه وأبيه، وجاء مروان الكردي أبو الأمراء وكان قد عميَ ومعه زوجته أمُّ أولاده، فأقام عند قبر ابنه أبي علي، والقبة فوق رأس المسجد، شرقيَّ الجسر، ولقال: إن أثرها باقٍ إلى هلُمَّ جَرًّا.


(١) ما بين حاصرتين هنا وفي الموضع الآتي من (ب).
(٢) أرزن: من بلاد ديار بكر. ينظر معجم البلدان ١/ ١٥١.