للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الخلاص والملك، فقد علمتَ ما في نفوس الديلم منك. فقال: قد عاهدتُ أبا نصر على أن لا أُفارق موضعي، ثم قُتل بعد ذلك، وسنذكره إن شاء الله تعالى.

وفيها بعث بهاءُ الدولة عميدَ الجيوش إلى بغداد؛ لتدبير أمورها، وكان قد انحلَّ نظامُها، وطمع العيَّارون فيها، وكثُرت الكبسات والعملات، فسار إليها عميد الجيوش، ولم يقدر بهاء الدولة على المسير إليها؛ خوفًا على فارس، ولمَّا قَرُبَ من بغداد تلقَّاه الناس على طبقاتهم] (١)، فألانَ لهم جانِبَه، وسهَلَ أخلاقَه، وأعذَبَ ألفاظَه، مع هيبةٍ لم يُرَ (٢) مثلُها، وزُينَتْ له الأسواق بالقِباب والأواني [ما لم يُعمل في حق غيره] وهرب الذُّعَّار والشُّطَّار [والعيَّارون] ودخلها في سابع عشر ذي الحجة يوم الثلاثاء، ونُثِرتْ عليه الدنانير والدراهم، وأُقيم الغلمان في أيديهم مجامر [العود و] البخور، وغُلِّفَتْ وجوه الخيل بالغالية (٣)، ونزل في الزَّبزبِ إلى دار المملكة، وخدم الأميرين أبا شجاع وأبا طاهر، وصعد فنزل بباب الشعير، في الدار التي كانت لأبي الحسن محمد بن عمر، وجَدَّ في طلب العيَّارين [وكان معظَمُهم من العباسيين والعلويين] (٤) وقد استطالوا، فجاؤوه بهم من كل مكانٍ، فكان يقرِنُ العباسيَّ بالعلوي ويغرقهما نهارًا (٥) بمشهد من الناس، وكذا فعلَ بجماعةٍ من الحواشي والأتراك والمتعلِّقين بهم، فغرقهم، [فهدأت الفتن] فاستقامتِ الأمور، وانحسمت المواد، وأمن البلاد والسُّبل وخاف الغائب والحاضر، وكان كل علوي وعباسيٍّ يستجير بدار أحد من الخواص، فيبعث فيكبس عليه الدار ويغرقه، ويتبع العيَّارين والمفسدين، فقُتلوا وغُرِّقوا، وكفى الله المؤمنين القتال.

وكان من جملة العيَّارين رجلٌ يُقال له: ابن أبي العباس العلوي، فهرب إلى ميَّافارقين، فقال عميد الجيوش: هذه مئة دينار لمن يمضي وراءه ويفتكُ به. وأودعها بعض التجار، وتعيَّن شخصٌ لِقَتْله، فبيناهم كذلك إذ ورد الخبر بوفاة العيَّار، فضحك


(١) ما بين حاصرتين جاء بدلًا منه في (خ) و (ب): وتلقاه الناس.
(٢) في (م) و (م ١): يروا.
(٣) الغالية: أخلاط من الطيب، كالمسك والعنبر. المعجم الوسيط (غلا)، وغُلِّفَت: لُطِّخَت.
(٤) ما بين حاصرتين ليس في (خ)، وأثبت من باقي النسخ.
(٥) المثبت من (ب)، وبقية النسخ: نارًا.