للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القصر، وقبضا [عليه] (١)، واعتقلاه فيه، وأظهر للقُوَّاد أنَّه مريضٌ محجوبٌ، وشرع الحاجبُ في استمالة القُوَّاد والبربر وإصلاحِهم لنفسه، فتمَّ له ما أراد، فأظهرَ موتَ هشام، وكان لهشام من هذه المرأة ولدٌ عمره بضع عشرة سنة، فنصَّبه مكانَه، وأخذ له البيعة على الناس، واستبدَّ ابنُ أبي عامر وزوجةُ هشام بالأمر، وتتبَّعا مَنْ يَصلُح للخلافة من الأمويين، فكلُّ من وقعَ في أيديهما قتلاه، وكان الوليد الملقَّب بأبي رِكوة من أولاد الخلفاء، فهرب خوفًا على نفسه، فخالط المتصدقين مرَّة، ثمَّ الصوفيَّة أخرى، وسنُّه إذ ذاك نيِّفٌ وعشرون سنة، فخرج من المغرب، وقصد مصر، وكتب الحديث، ولقي الشيوخ، ثمَّ انتقل إلى مكة واليمن، وعاد إلى الشام، وهو في خلال تنقُّله وتسيُّره يدعو إلى القائم من ولد هشام بن عبد الملك، ويأخذ البيعةَ على من يجدُ عنده انقيادًا له وقبولًا منه، والحاكم مستمرٌّ بمصر على قتل النفوس والإيقاع بأصحابه ورعيتِه، على مخافة له وإشفاقٍ منه، وكان قد جهَّز الحاكم جيشًا من بني قُرَّة وزِناتة، من البربر إلى الشام، فرجع منهم جماعةٌ إلى مصر بغير أمر أميرهم يَنال (٢) القائد، فكتب يشكوهم، فقتل الحاكمُ منهم جماعةً، وانهزم الباقون إلى بَرْقة مُباينين للحاكم، وكان فيمن انهزم في غمار الناس أبو رِكْوة، فنزل بين القوم وهو في البرِّية، وفتح مُعلِّمًا، واجتمع عنده صِبيانُ العرب، وتظاهر بالزُّهد والنُّسك والصلاح، وحضر رمضانَ فصلَّى بهم، ثمَّ أخذَ مواثيقَهم وعهودَهم على ما يُلقيه إليهم، فلمَّا استوثق منهم قال: إني أدعو إلى إمامٍ منتظَرٍ قد قَرُبَ أوانُه، وعندنا في الكتب ذِكرُه، وأنه يملك الدنيا، وأنَّ أنصارَه وأعوانَه أنتم، وكان رئيسهم يقال له: الحَرْدَب والماضي، فصادف أبو رِكْوة عقولًا ضعيفةً، فبذلَ له الحَرْدَبُ من نفسه الطاعةَ، واستجاب له مع ما في قلبه من الحاكمِ من قتْلِ بني عمِّه، فدعا قومَه -وكانوا سبعَ مئة- واستَحْلفهم له، ثمَّ خلا أبو رِكوة به، وقال له: أنا الإمام، وأنت سيفي، وبِكَ آخذُ الحاكمَ بناصيته، وهذا أوان ظهوري. فقبَّل الحَرْدبُ الأرضَ بين يديه، وأحضر نساءه، وأمرهنَّ بحلب اللَّبن من ثُديِّهن، وشرب منه، ثمَّ سقى أبا رِكْوة وأعيانَ أصحابه، وتلك سُنَّة العرب في تأكيد


(١) ما بين حاصرتين من (ب).
(٢) في النسخ: جيش، والمثبت من الكامل ٩/ ١٩٤.