للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشاهدهم، ثمَّ قال: أين فضل بن عبد الله؟ فقبَّل الفضلُ الأرضَ، فقال: قد ندبتُكَ للخروج مع هذا الجيش وقتالِ هذا العدو. فقال: سمعًا وطاعةً، وأُريد من مولاي الدعاءَ بالنصر والمعونة. فدعا له، وخلع عليه خِلْعةً من ملابسه، وفرسًا من مراكبه، وجهَّزَ الجيش بألفِ ألفِ دينار، وأعطى الفضلَ خمسَ مئة ألف دينار، وخمسةَ آلاف قطعة من الثياب، وحمل إليه الخزائنَ والسلاحَ وغيرَه، وسار الفضلُ بالعساكر، وكاتب أصحابَ أبي رِكْوة، فأمَّا الماضي زعيمُ زناتة فأجابه، وصار عينًا له، وأما الحَرْدَب فثبت على طاعة أبي رِكْوة، وصاروا كلَّما دبَّروا أمرًا على بَياتِ الفضل كتبَ الماضي إليه فيُبْطِلُه، واستمال الماضي بالأموال والتُّحف، وطلب أبو رِكْوة المنازلةَ، والفضلُ يُراوغه، وكان قد اجتمع إلى أبي رِكْوة خمسون ألفًا ما بين فارس وراجل، فأقام شهورًا على المطاولة، ثمَّ جرَتْ بينهم وقائعُ كثيرةٌ، ومن جملة ما فعل أبو رِكْوة أنَّ الحاكم أخرج مَنْ كان عنده (١) من الدَّيلم والتُّرك مع علي بن فلاح، في أربعة آلاف؛ ليجعلهم مددًا للفضل، وعسكر بالجيزة، فأسرى إليهم أبو رِكْوة في ليلتين - ولم يعلَم به الفضل - في ألفي فارس من بني قُرَّة وزناتة، فكبسهم ليلًا، فقتل منهم جماعةً، وهرب الباقون في السفن، وأورد أبو رِكْوة خيلَه النِّيل، وهرب المِصريُّون بعيالاتهم إلى السفن، ونزل أبو رِكْوة إلى (٢) الهرمين، وانزعج الحاكم في القصر، وغُلِّقت أبوابُ القاهرة، وخرج مَنْ كان من غِلمان القصر وغيرهم، فوقفوا على بابها، ولم يتِمَّ لأبي رِكْوة في قصدها أمرٌ، فولى راجعًا إلى عسكره وكتب الحاكم إلى الفضل يلومُه، فرأى مُناجزَتَه، واجتمع العسكرانِ بمكان يُقال له: السَّبَخة، فيه غياضٌ وأشجار، وكان أكثرُ عسكرِ أبي رِكْوة رجالةً، فأقام منهم الكُمناء بين الأشجار، وقال للفرسان: طاردوهم، فإذا وصلوا إلى الكُمناء اخرُجوا عليهم. ورأى الفضلُ خِفَّةَ عسكر أبي رِكْوة، فطمع فيهم، فرتب الحَمْدانيةَ والشاميةَ في الميمنة، والعساكر المصرية في الميسرة، ووقف هو في القلب، وتطارق الفريقان، وحملَ بنو قُرَّة، ثمَّ انهزموا بين أيديهم ليستجِرُّوا


(١) في (خ) و (م م ١): بها، والمثبت من (ب).
(٢) في (ب): على.