للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبعث خُتَكين بالرُّقعة إلى الحاكم، فلم يرِقَّ له؛ لما بدا منه، وكان بالقاهرة شيخٌ يقال له: الأبزاري، إذا خرج خارجيٌّ صنع له طُرْطُورًا، وعَمِلَ فيه ألوان الخِرَق المصبوغة، ويأخذ قِرْدًا، ويجعلُ في يده دِرَّةً، ويُعلِّمه [أن] (١) يضرب بها الخارجيَّ من ورائه، ويُعطى مئةَ دينار وعشرَ قطع قماش، فلمَّا قطع أبو رِكْوة الجِيزة، فأمر به الحاكم، فأُركِبَ جملًا بسنامَين، وأُلبِسَ الطُّرْطُورَ، وأُركب الأبزاري خلفَه، والقرد بيده الدِّرَّة وهو يضربه، والعساكر حولَه، وبين يديه خمسة عشر خيلًا مُزَيَّنة، ودخل القاهرة على هذا الوصف، ورؤوس أصحابه بين يديه على الخشب والقصب، وجلس الحاكم في منظرة على باب الذهب، والتُّرك والدَّيلم عليهم السلاح، وبأيديهم اللُّتوتُ (٢)، وتحهتم الخيول بالتجافيف (٣) حول أبي رِكْوة، وكان يومًا عظيمًا، وأمر به الحاكم أن يخرج إلى ظاهر القاهرة، وتُضرَبَ عنقُه على تلٍّ بإزاء مسجد ريْدان، فلمَّا حُمِلَ إلى هناك أُنزِلَ، وإذ به ميتٌ، فقُطِعَ رأسُه، وحُمِلَ إلى الحاكم، فأمر بصلب جسده، وارتفعت منزلة الفضل عند الحاكم، بحيث مرض فعاده مرتين أو ثلاثًا، وأقطعه إقطاعاتٍ كبيرة، ولما أبلَّ من مرضه وعوفي قتله الحاكم.

[ذكر قصة هشام الأموي]

قد ذكرنا أنَّ ابنَ أبي عامر أظهرَ موتَه، وأقام ولدَه، وخلا مع زوجته بما أراد، وقيل: إنه تزوجها، وأقام يُفيض الأموال والإحسان على الخاصِّ والعام، وليس لابن هشام غير الاسم والتُّحف، فثار بابن هشام جماعةٌ من الخَدَم الصَّقالبة، وكان فيهم خادمٌ لأبيه اسمه ضاحك، وكان قبلَ هشام لخادم اسمه بَرْجُوان، قتله الحاكم سنة تسع وثمانين وثلاث مئة، وكان ابنُ هشام قد سمع خبرَه، فقال له يومًا: يا ضاحك، لِمَ قَتَل الحاكمُ أُستاذَكَ؟ فقال: كان قد حجر عليه، واستبدَّ بالأمر - والحاكم صبيٌّ - ومنعه ما يهواه، وكان للحاكم خادمٌ يقال له: رَيدان، يحمل المظلَّة على رأسه ويخلو به، فشكى إليه ما يُلاقيه من بَرْجُوان، فقال له: أنا آمِنٌ؟ قال: نعم. قال: إنه يريد الملك لنفسه،


(١) ما بين حاصرتين زيادة يقتضيها السياق.
(٢) جمع لَتّ، واللَّتُّ: الفأس العظيمة. معجم الألفاظ الفارسية المعربة ص ١٤١.
(٣) جمع تَجفاف: وهو ما يُجلَّل به الفرس من سلاح وآلة يقيانه الجراح في الحرب. المعجم الوسيط (جفف).