للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سألتَني حاجةً. فقال: كوني لِلْهَبيَّةِ (١) -يعني ابنتَه- بعد موتي كما كنتِ لها في حياتي. فقالت: أفعَلُ. ثمَّ انتبه فقال: أستغفِرُ الله تعالى، [الله] (٢) لها خيرٌ منكِ. ولمَّا احتُضر جعل يبكي ويقول: يا ذُخري وذخيرتي، لمثل هذا اليوم خبأتُكَ، لهذه الساعة كنتُ أرجوكَ، فحقِّق حُسنَ ظنِّي بِكَ. ثمَّ مات بدرب شماس من نهر القلايين، محلةٍ غربي بغداد، يومَ الثلاثاء، لسبعٍ بقين من ذي الحَجَّة، ودُفِنَ في مقبرة الإمام أحمد رحمة الله عليه، بعد أن صُلِّي عليه بجامع المنصور. وقيل: دُفِن بداره.

أسند عن أحمد بن سليمان النَّجاد وغيرِه، وروى عنه التنوخي [والصَّيمري] وغيرُهما، وأجمعوا على زهدِه وورعِه وثقتِه، وكان يُنكر على أبي حامد الإسفراييني وأبي بكر الأشعري والفقهاءِ سماعَهم والقولَ بالقصَب وحضورهم مجالِسه، ويقدح فيهم ويقول في مجالس وعظه بالجامع: يا عدوَّ الله، تكونُ في صلاتك، وتقول في نفسك: أمضي فآخذُ الجارية الفلانيَّة بكذا وكذا، والشرابَ الفلانيَّ من عند فلان، وأشرب وأسمع الغناء، هذه هي المعصية بعينها، وينشد: [من البسيط]

يا ظالمًا يتَجنَّى جئتَ بالعَجَبِ … شَغَبْتَ كيما تُغطِّي الذَّنْبَ بالشَّغبِ

ظلمتَ سرًّا وتستعدي (٣) علانيةً … أضرمتَ نارًا وتستَعفي من اللَّهبِ

فاجتمع الفقهاءُ وشكَوه إلى دار الخلافة، ورمَوه بالاعتزال، وانضاف إلى ذلك ما كان يشكوه أبو الحسن علي بن أبي طالب صاحبُ المعونة منه ومن أصحابه، وتعرُّضِهم في الأمر بالمعروف إلى ما يُثير الفتن، فأمر الخليفة بإحضاره وإحضار الفقهاء، وكشف ما يقال عنه، فحضر أبو حامد الإسفراييني، وأبو بكر الأشعري، والفقهاءُ، والقضاةُ، والعدول، واستُدعي، فلمَّا دخل الدارَ نزع نَعْلَيه، وأطبق واحدةً على الأخرى، وأمسكها بيده وقال: أقِفُ أم أقعُد؟ فقال له أبو الحسن علي: اجلِسْ.


(١) الهَبيَّة: البنت الصغيرة. المعجم الوسيط (هبي).
(٢) زيادة لفظ الجلالة من تاريخ بغداد.
(٣) في النسختين الموجودتين (خ) و (ب): وتستدعي، وهو تحريف، والتصويب من محاضرات الأدباء ١/ ٤٥٥، ودرة الغواص ١/ ١٢٤، وغيرهما.