للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بني عم ممهِّد الدولة، فقيَّدهم، وزعم أنَّه بأمر مُمهِّد الدولة، وسار إلى ميَّافارقين وملَكَها، ودخل القصر، واستولى على ما فيه الأموال والذخائر، وكان أبو نصر أخو مُمهِّد الدولة بإسْعَرْد (١)، فأرسل جماعةً للقبض عليه، وكان مُمهِّد الدولة قد أبعَدَه عنه، وإذا عُوتِبَ فيه يقول: رأيتُ فِي منامي كأنَّ الشمسَ قد سقطت فِي حجري، فغلبَني عليها، وأخذها مني، فأقام أبو نصر بنواحي إسعرْد، وكان بِأَرْزَنَ (٢) رجلٌ - يُعرف بخَواجا، وكنيتُه أبو القاسم - واليًا عليها، ولمَّا جهَّز شِرْوةُ إلى إسْعَرْد مَنْ يقبِضُ على أبي نصر جهَّز إلى أرْزَنَ مَنْ يقبضُ على خواجا، ويأخذُ القلعةَ منه، قبل أن يشيع الخبر، وبعث إلى أرْزَن عبد الرحمن بن أبي الورد الدُّنْبُلي (٣)، وكان تحتَ يده خمسة آلاف من الديالمة، فجاء إلى أرْزَنَ وقد بقيت من اللَّيل بقيةٌ، فصاح بالحُرَّاس، فقالوا: من أنت؟ فقال: فلان، جئتُ فِي مُهِمٍّ، فأُخبر خواجا، فقال: افتحوا له الباب. ودخل، فناوله الكتاب، وعليه خَتْمُ مُمَهِّد الدولة، ولم يعلم بالخبر، فقال خواجا: سمعًا وطاعةً. وخرج طالبًا ميَّافارقين، وأوصى إلى ابن أبي الورد، وشرع ابن أبي الورد فِي إفساد أصحاب خواجا، فما التفتوا، فبينا خواجا يسير إذ لقي كُرْديًّا واردًا من ميَّافارقين يَرْكُضُ فرسَه، فاعترضَه وقال: ما الخبر؟ قال: أوَ ما علمت؟ قال: لا. قال: قتلَ شِرْوةُ مُمهِّدَ الدولة، وأنفذَ مئتي فارس إلى الأمير أبي نصر ليأخذه من إسْعَرْد، وأرسلَ إليك وإلى المقيمين فِي الحصون رسلًا يقبضون عليك وعليهم، والطرقاتُ محفوظة؛ لئلَّا - يشيع الخبر، فرجع خواجا إلى أرْزَنَ، وجَدَّ فِي السير، وأتى إلى باب قلعة أرْزَنَ، فصاح بغلمانه، ففتحوا الباب، وشاهده ابنُ أبي الورد، فيئس منه، وكان خواجا شيخَ الأكراد، ومتقدمًا فيهم، وكان شجاعًا شهمًا، فأحضرَ ابنَ أبي الورد، وجرَّد سيفَه، وقال: واللهِ لئِنْ لم تُخبِرْني بالذي جئتَ فيه لأقتلنَّكَ. فقال: وأنا آمِن؟ قال: نعم. فأخبره، فشقَّ ثيابَه وبكى، وبعث حاجبه فِي مئتي فارس إلى إسْعَرْد ليُنذِرَ أبا


(١) فِي النسخة الموجودة (خ) هنا وفي المواضع الآتية: سعرد.
(٢) أرْزَن: مدينة بديار بكر. اللباب ١/ ٤٢.
(٣) نسبة إلى دنْبُل: وهي قبيلة من الأكراد بنواحي الموصل. توضيح المشتبه ٤/ ٧٠.