للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يعرفونه ويسمعونه [ويعطيهم العطاء الكثير]، ورتَّبَ (١) لهم عجائز يدخُلْنَ البيوت ويُشْرِفنَ على أحوال النساء [وأنَّ فلانة تحبُّ فلانًا، وأنَّ فلانًا يحبُّ فلانةً،] فلم يكُن يخفى عليه من أسرار الناس شيءٌ، فإذا بلغَه عن دارٍ فيها شيءٌ بعث يقبض على المرأة التي فيها، فإذا اجتمع عنده جماعة [من النساء] أمر بتغريقهنَ فِي النيل، فافتضحَ النساء، وظهر ما كان مستورًا [من محبهنَّ]، فضجَّ النساء [من ذلك]، فأمر برُقعةٍ، ونادى: متى خرجتِ امرأةٌ من بيتها ليلًا أو نهارًا فقد أُبيح دمُها.

ثم رأى بعد النداء عجائزَ خارجاتٍ، فأمر بتغريقهنَّ، فلم تُقدم (٢) امرأةٌ بعد ذلك على الخروج، فكانت المرأةُ إذا ماتَتْ بُعِثَ نساءٌ ثقاتٌ يُشاهِدْنَها، ثم تُغسَّل وتُدفَن.

وكتب النساء إليه رقاعًا يذكُرْنَ استمرارَ الضررِ عليهنَّ وعجزَهُنَّ، وأنَّ فيهنَّ مَنْ لا زوجَ لها، ولا وليَّ يُعينها [على أودها]، وأنهنَّ يَمُتْنَ خلف الأبواب فاقةً وفقرًا وجوعًا، فأمر الباعة بالطَّواف [في الدروب] ومبايعةِ النساء على الأبواب، من غير أن تبرز النساء على الرجال، وأقام على هذه الحالة مدةً [حتى ضيَّق على النساء الأرض].

[ذِكْرُ حكايةٍ جرَتْ فِي هذا الباب حكاها هلال بن الصابئ عن إبراهيم بن الخضر، قال]: واتَّفق أنَّه مرَّ قاضي القضاة مالك بن سعيد الفارقي فِي بعض المحالِّ، فنادَتْه امرأةٌ من طاقةٍ، وأقسمَتْ عليه [بالحاكم وآبائه] أن يقف [عليها] فوقف عليها، فبكَتْ بكاءً شديدًا، وقالت: لي أخٌ لا أملِكُ غيره [ولا يملك غيري]، وهو فِي آخر رَمَقٍ، وأنا أُقسم عليكَ إلَّا أمَرْتَ بحملي إليه لأراه قبل أن يقضي نحْبَه، [وتبقى فِي قلبي حسرةٌ منه]. فرقَّ لها [ورحمها، ولم يشُكَّ فِي قولها]، وأمرَ رجلين من أصحابه بِحَمْلِها إليه، فأغلقَتْ بابَها، ورَمَتِ المفتاح عند جارةٍ لها، [وأوصَتْها أن تُسلِّمه إلى زوجها عند انصرافه من سوقه]، ومضت [مع الرجلين] حتَّى وقفت على بابٍ فدقَّتْه [وفتح لها]، ودخلت وقالت للرجلين: انصَرِفا [مصاحَبَين]، وكانتِ الدارُ لرجلٍ [تهواه و] يهواها، فلمَّا رآها سُرَّ [بها] وسألها عن حالها، فأخبرته [بالحيلة التي تمَّت لها، وأقامت


(١) فِي (خ): ورتبوا، والمثبت من (م) و (م ١).
(٢) فِي (م) و (م ١): تقدر.