للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقف قنطرةً كبيرةً بنهر عيسى بالعراق -يُقال لها: دباها- على المارستان العضدي، وارتفاعها في كل سنة أربعون كُرًّا وألفُ دينار، ووقف على الجسر خانَ النرسي بالكَرْخ، وضيعةً بالقُفْص، وسدَّ بَثق الخالص، وحفر ذُنابة (١) دُجَيل، وساق الماء منها إلى مقابر قريش، وعمل المشهد بقرب واسط، وحفر عنده المصانع، وله آبار كثيرة بطريق مكة، وكانت وفاتُه في شوال، ودُفِنَ بباب حرب، وتربتُه مشهورة قريبة من الإمام أحمد بن حنبل رحمة الله عليه، وتُزار كثيرًا [ويتبركُ به]، وأوصى أن لا يبنوا عليه شيئًا، فخالفوه، وبنَوا عليه قبةً مزارًا، وسقطت (٢)، واتَّفق أنَّ بعد مدةٍ من وفاته حُمِلَتْ جنازةٌ، فدخلت عجوزٌ إلى قُبَّة السعيد [وقت الحر]، ومعها نساء يطلُبْنَ الظِّلَّ، فلطَمْنَ ونِمْنَ في التربة، فانتبهتِ العجوزُ مذعورةً، وقالت: رأيتُ تركيًّا خرج من هذا القبر وبيده دبُّوسٌ، فأراد أن يضربني، وقال: بيني وبينكن قرابة [حتى أتيتنَّ من القصد] إلى عندي أنتِ وصواحِبُكِ توذونني؟ [فسألوا عن التربة، فقالوا: هي للسعيد]، فتجنَّبها النساء بعد ذلك [اليوم].

وكان يحصل له من إقطاعه في كل سنة مئة ألف دينار، فينفِقُها في أبواب الخير والبر، وأغنى فقراء الحرمين وغيرهم.

[قال هلال بن الصابئ]: وتُوفي يوم السبت التاسع من شوال، فاحتاط مؤيد الملك [أبو علي] على تركته للسلطان، وحضر للصلاة عليه [مؤيدُ الملك] والقضاةُ والأشرافُ والعدولُ، ولم يتخلَّف أحد [وذكر من مناقبه ما ذكرنا وقال]: وكان بينه وبين المناصح أبي الهيجاء الجُرجاني تباعد، فقعد في العزاء، فلمَّا فرغ العزاء وقام، قال: واللهِ لقد فَتَّ فَقْدُ هذا الرجل في عضُدي، وهَدَّ رُكني، وخُيِّلَ إليَّ أني لاحقٌ به. فعاش بعده ستة أشهر.

[قال]: وكان المناصح [هذا] من رجال الزمان وعقلائهم، ومن أعلاهم همة، [و] لم يخلف مثله في علوِّ الهمَّة وشدة الهيبة [وكان شجاعا] مطاعًا مهيبًا ذا همة عالية]، ولو تُصفِّحَ كلامُه ما كان فيه سقط.


(١) الذُّنابة: ذَنَبُ الوادي، ومسِلْ الماء بين التَّلْعتين.
(٢) في (م) و (م ١): وهي تسقط.