للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

علي بن نصر (١)

أبو الحسن، مُهذِّب الدولة، صاحبُ البَطيحَة، كان جوادًا مُمدحًا، صاحبَ ذِمَّةٍ ووفاءٍ وعهد، وهو الذي استجارَ به القادرُ بالله، فأجاره، ومنعه من المطيع والملوك، وقام في خدمته أحسنَ قيام، وله يقول الوزير أبو شجاع: توَّجتِ الأيامُ مَفْرِقَ فخارِه، بمقام القادر في جوارِه، وصاغَتْ له هذه المنقبة من الفخار حسبًا، وصارت إلى استحقاق المدح سببًا، وكان الناس يلجؤون إليه في الشدائد، فيُجيرهم ويقوم بأمرهم، ويبذل نفسَه وماله لهم، وكان يرتفع له في كل سنة من المَغَلّ ثلاثون ألف كُرٍّ على اختلافِ أنواعها، ومن الوَرِق (٢) ألفُ ألفٍ وسبعُ مئة ألف وخمسون ألف درهم، يُنفق مُعظَمَها على القُصَّادِ وأربابِ البيوت، وكان القادرُ يُعظِّمه ويحترمه، ويرى خدمتَه له، ولم يَزلْ معترِفًا له بذلك، وكان بهاء الدولة قد احتاج إلى مالٍ فأقرضه شيئًا كثيرًا، وأعانه وزوَّجه بهاءُ الدولة ابنتَه، وأقام بالبطائح اثنتين وثلاثين سنةً وشهورًا، وعاش نيِّفًا وسبعين سنة.

وسببُ وفاتِه أنَّه افتصد، فانتفخ ساعدُه وأخذه داءُ الحُمْرة، فمات يوم الثلاثاء لثمانٍ خَلَوْنَ من جمادى الأولى، ومولده سنة خمس وثلاثين وثلاث مئة، ولمَّا كان قبل وفاته بثلاثة أيام اجتمع الجند والملَّاحون فتفاوضوا في أمر ولده أبي الحسين وإقامتِه مقامَه، ثم اتَّفق الجُندُ على أبي محمد عبد الله ابن أخت مُهذِّب الدولة، وكان أبو عبد الله الحسين بن أبي بكر الشرابي خِصيصًا بمُهذِّب الدولة، فنازعته نفسُه إلى الإمارة، فتوقَّف لأجل أبي الحسين بن مُهذّب الدولة وأبي محمد عبد الله بن أخت مُهذَّب الدولة، فمال الشرابي إلى ابن مُهذِّب الدولة؛ لكونه أسلمَ جانبًا وأولى، وبلغ أبا محمد ذلك، واستدعى الأتراكَ والدَّيلمَ ومَنْ مال إليه من البطائحيين واستحلفهم لنفسِه، ووعدَهم الإحسانَ، وقرَّروا القبضَ على أبي الحسين وتسليمَه إليه، ولمَّا قبضوا


(١) المنتظم ١٥/ ١٢٩ - ١٣٠ مختصرة.
(٢) في (ف): الرزق، والمثبت من (خ) والمنتظم.