للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه صارت والدته إلى الحجرة التي فيها مُهذِّب الدولة، وأصحابُه قيام على رأسه، وهتكَتْ إزارَها، فقال: ما هذه الفضيحة؟ قالت: ابنُ أختِكَ قبض على ابني. فقال: وأيُّ قُدرةٍ لي على خلاصه، وأنا على هذه الصورة؟. وتوفِّي من الغد.

واجتمع العسكر على أبي محمد، وأنفذ من ضبط الخزائن، ودُفِنَ مُهذِّب الدولة في داره، وضرب أبو محمد أبا الحسين ضربًا مات فيه، وأخرجه بعد ثلاثة أيام ملفوفًا في كساءٍ إلى والدته، فدفنته عند والده، وأخذ أبو محمد الناسَ بالعَسْفِ (١)، وكانت له زوجةٌ مُغنيةٌ يُقال لها: ابنة الكَرْخي، فانبسطت يدُها في أخذ الأموال، وجاءته الخِلَعُ السُّلطانية، واستقام أمرُه، فاتَّفق أنه أكل في بعض الأيام شيئًا عُمِلَ له من البَطِّ الصغار، فأخذته الذَّبْحةُ في حلقِه، واشتدَّ به الأمرُ، وقال قبل ذلك: رأيتُ مُهذِّب الدولة في منامي وقد أمسك على حلقي ليخنِقَني، ويقول: قتلتَ ابني أحمد، وقابلتَ نعمتي عليك بذلك. ولمَّا أشرف على الموت عمدت زوجتُه إلى ابنٍ صغيبر له، فأجلسَتْه موضعه في داره، وحلَّفَتْ له الجند، فلمَّا مات أبو محمد قصد الجندُ والملَّاحون الدار والخزائن وأحرقوها، وانتقضَ أمرُ الصغير، ولم يكن بالبَطيحَة مثلُ الشرابي، فأتوا إليه وسألوه وقالوا: أنتَ الثقةُ الأمينُ العدلُ. فامتنع وقال: أبصِروا غيري. فما زالوا به حتى ولي، وكتب إلى سلطان الدولة يُخبره بأنه ما أراد ذلك، فبعث إليه بالخِلَع والتقليد، واستقامَ أمرُه.

محمد بن القادر بالله (٢)

أبو الفضل، كان أبوه قد رشَّحه للخلافة، وجعله وليَّ عهده، ولقَّبه الغالب بالله، ونقشَ اسمَه على السِّكَّة، ودُعي له على المنابر بولاية العهد، ومولده في شوال سنة اثنتين وثمانين وثلاث مئة، وتوفِّي في رمضان عن سبع وعشرين سنة، وكان شهمًا يصلح للخلافة، وحزن عليه القادر [حزنًا عظيمًا، وصلَّى عليه، ودُفن بالرُّصافة، وأقام القادر] (٣) أيامًا لا يأكل ولا ينام.


(١) العسف: الظلم والجَور.
(٢) تاريخ بغداد ١/ ٢٧٩، والمنتظم ١٥/ ١٣١.
(٣) ما بين حاصرتين من (ف).