للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: الأمر في هذا إلى وزيري ومدبِّر أموري (١) أبي محمد بن سهلان، فاقصدوه، وأنهوا إليه الحال. فمضوا إلى الأهواز، واجتمعوا بابن سهلان، فكان جوابُه: قد أمرني سلطانُ الدولة بالمسير إلى جهتكم، وإذا صِرْتُ بينكم توسَّطْتُ أمرَكم وخدمتُ أمير الأمراء أبا علي، وتحمَّلْتُ الأثقال دونه. وخَلَع عليهم ووصلَهم ورَدهم.

ثمَّ سارَ ابنُ سهلان من الأهواز إلى واسط، وخرج مَنْ كان بها من الأتراك إلى بغداد، وبعث شرفُ الدولة في مقدِّمته أرسلان الطويل، وسار شرفُ الدولة بالأتراك والأعراب، فنزل شرقيَّ واسط، وابنُ سهلان في غربيها، وجرَتْ بينهم حروبٌ، وأوحش ابنُ سهلان جماعةً من الدَّيلم، فصاروا إلى شرف الدولة، وجاءته العساكر من كلِّ مكان، ولمَّا تطاولتِ الحربُ بين الفريقين قيل لشرف الدولة: لو أظهرتَ نفسَكَ في تقلد الأمر، وبرزْتَ إلى المَصافِّ لدخل الدَّيلم في طاعتِكَ. وكان مِنْ قبلُ يمتنع ويقول: إنما أنا نائبٌ عن أخي، وإذا أطاع أخي مَنْ حملَه على قَطْعِ رَحِمي ونَقْضِ ما بيني وبينه، فأنا لا أدَعُ التمسكَ بطاعتِه. فما زالوا به حتى ركب يوم الخميس لسبع (٢) بقين من شوال، فحين رآه الدَّيلم قاتلوا قتالًا شديدًا، ثم استأمنوا إليه واحدًا بعد واحد، وتقدَّم شُجعانُهم، وصار معظمُهم عنده، وانحلَّ أمرُ ابنِ سهلان وضَعُفَ، وكان بواسط، واشتد الغلاء، فأكل أصحابُه الجِيَف، فكتب إلى سلطان الدولة يستنجد به، فلم يُنْجِدْه، وشرعَ أعداؤه في الوقيعة عنده فيه وتسفيه رأيهِ، بتعزيزه بالعساكر والأموال، وإخراجِه شرف الدولة والأتراك عن الطاعة، وعلمَ ابنُ سهلان أنَّ الهربَ غيرُ مُنْج له، وأنَّ باقي الديلم لا يُمكِّنونه منه، ويُسلِمون نفوسَهم بعده، عدلَ إلى استصلاح شرف الدولة وراسلَه، واستمال أصحابه، فأجابوه، وتحالفوا، وخرج ابنُ سهلان إلى خيمةٍ ضُرِبَتْ له، وخرجَ شرفُ الدولة، ودخل عليه ابنُ سهلان، وقبَّل الأرضَ بين يديه، وذكر كلامًا معناه الاعتذارُ عما جرى، وأنه يخدُم شرفُ الدولة والأتراك الخدمةَ المستأنَفة، ثم نصب لابنِ سهلان خيمة صغيرةً، فخلا به شرفُ الدولة فيها، فقال له ابنُ سهلان: إنْ شِئْتَ كاتبتُ الدَّيلم الذين بالأهواز أن يأخذوا سلطانَ الدولة ويحملوه إليك فعلتُ.


(١) في (ف): أمري.
(٢) في (ف): لخمسٍ.