للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فانصرفوا، واستدعى كتامَةَ والأتراكَ ووجوه المِصريِّين، واعتذرَ إليهم، وحلف أنه بريء ممَّا فعل العبيد، وكذَبَ، فقبَّلوا الأرضَ بين يديه، ودعَوا له وشكروه وسألوه الأمان لأهل مصر، فكتب لهم، وقُرئ [الأمان] (١) على المنابر، وسكنتِ الفتنةُ، وفتح الناسُ أسواقَهم، وراجعوا معايشَهم، واحترق من مصر مقدارُ ثُلثِها، ونُهِبَ نصفُها، وتتبَّع المصريُّون مَنْ أُخذَ مِنْ أزواجهم وبناتهم وأخواتهم، وابتاعوهنَّ من العبيد بعد أن فضحوهُنَّ، وقتَلَ بعضُهنَّ نفوسَهُنَّ؛ خوفًا من عار الفاحشة المرتكبة منهنَّ، واستغاث قوم من العلويين إلى الحاكم، وذكروا أن بعض بناتهنَّ في أيدي العبيد على أسوأ حال، وسألوه أن يستخلصهنَّ، فقال: انظُروا ما يُطالبونكم به عنهن لِأُطْلِقه لكم. فقال له بعضهم: أراكَ اللهُ في أهلِكَ وولدِكَ مثلَ ما رأينا في أهلِنا وأولادِنا، فقَدِ اطَّرحا الديانةَ والمروءةَ بأن رضيتَ لبناتِ عمِّك بمثلِ هذه الفضيحة، ولم يلحَقْكَ منهنَّ امتعاضٌ ولا غَيرة. فحَلُم عنه الحاكم، وقال: أنتَ أيُّها الشريفُ مُحْرَجٌ، ونحن حقيقون باحتمالِكَ، والإغضاء عنك (٢)، وزاد الأمر على الناس فيما يفَجؤُهم به حالًا بعد حال، من كلّ ما تنخرق به العادات، وتَفسد الطاعات.

قال ابن الصابئ: ثم عنَّ له [الأمر] أن يَدَّعي الربوبية، وقرَّب رجلًا -يُعرف بالأخرم- ساعَدَه على ذلك، وضمَّ إليه طائفةً بسطهم للأفعال الخارجة عن الدِّيانة، فلما كان في بعض الأيام خرج الأخرم من القاهرة راكبًا في خمسين رجلًا من أصحابه، وقصد مصر، ودخل الجامع راكبًا دابَّته، ومعه أصحابُه على دوابّهم، وقاضي القُضاة ابنُ [أبي] (٣) العوام جالس فيه ينظر في الحكم، فنهبوا الناسَ، وسلبوهم ثيابَهم، وسلَّموا إلى القاضي رُقعةً فيها فتوى، وقد صُدِّرت: باسم الحاكم الرحمن الرحيم، فلما قرأها القاضي رفع صوتَه مُنكِرًا، واسترجع، وثارَ الناسُ بالأخرم، فقتلوا أصحابَه، وهرب [هو] (٤).


(١) ما بين حاصرتين من النجوم الزاهرة ٤/ ١٨٢.
(٢) جاءت العبارة في النجوم الزاهرة: وإلا غضبنا عليك.
(٣) ما بين حاصرتين من النجوم الزاهرة، واسمه أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي العوام.
(٤) ما بين حاصرتين من النجوم الزاهرة.