للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أمصارها- مَلِكٌ ولا سوقةٌ إلَّا وقد تقرَّب إلى هذا الصنم بما عزَّ (١) عليه من أموالِه وذخائِره وحُليِّه وجواهرِه، حتى بلغت أوقافُه عشرةَ آلاف قرية من مشهورات القُرى في تلك البقاع، وامتلأت خزائِنُه من أصناف الأموال والمتاع، ولأهل الهند نهرٌ كبير [يُعرف بكَنك] يُعظِّمونه غاية التعظيم، ويُلقون فيه عظامَ كُبرائهم [على تقدير أنها تُساق إلى جنَّات النَّعيم]، وبينهم وبين سومنات الصنم المذكور مسافةُ مئتي فرسخ على التحقيق، وكانوا يغسلون وجهَ هذا الصنم كلَّ يوم بماء هذا النهر إكرامًا يخصُّ به على طول الدهر (٢)، فرتبوا في كلِّ مرحلةٍ قاصدين يتعاقبون البِدار بهذا الماء في بُكرة كلِّ يوم إلى الصنم [المذكور]، وقد وقفوا الأوقافَ على هذا البريد [المأمور]، فكانوا كلَّ يومٍ يغسلون وجَه [هذا] الصنم بالماءِ الجديد، المشوبِ بالعسل واللبن الحليب، ورتبوا حولَه ألفَ رجل من البراهمة لخدمتِه، وتقديم الوفودِ إلى عبادتِه، وأقاموا ثلاثَ مئةِ رجلٍ يحلقون رؤوسَ حجيجه ولحاهم عند الوفود، وثلاثَ مئة رجلٍ يُغنُّون ويرقصون على باب بيت الصنم [المعبود] (٣)، وثلاثَ مئة جارية برسم زوَّاره، وقيل: خمس مئة. وكان العبد يتمنَّى طولَ عمره قلْعَ هذا الوثن الفتَّان، ويطلب فيه فُرصة الإمكان، ويسأل الصادرَ والواردَ، ويستقصي عن ممالِكها، ويخبر عن مفاوزِها، وصعوبةِ مسالِكها، واستيلاءِ الرمل السيَّال على طرقِها، ما يُحيِّر المسامع، ويُبلِّد العزائم، فاستخار العبدُ اللهَ تعالى في الانتداب لهذا الواجب، ومَثَلَ في وَهَمه أضعافُ المسموعِ من المتاعب، فنهض من غرَّته صبيحةَ يوم الأربعاء لثمانِ ليالٍ بَقِين من شعبان سنة ست عشرة وأربع مئة، فسلَكَ سَمْتَ المُلْتَان، فانتهى إليها في نصف [شعبان أو] (٤) رمضان، وسأل عن سلوك المفازات، فأُخبِرَ بصعوبتها من جميع الجهات، فاختار من جماهير الأولياء الذين هذَّبَتْهم الحروب، وثقَّفتْهُم الخطوب، ثلاثينَ ألف فارس، بعد أن رتب في كلِّ ثغرٍ وأطرافِ كلِّ بلدٍ من العساكر جمعًا لدفع من غشاه، يتطلب فرصةً في امتداد هذه الغيبة، وفرَّق في المُطَّوِّعة خمسين ألف دينار، بعد أن أخبرهم بصعوبة المفازات،


(١) في (م) و (م ١): بما يقدر.
(٢) في (م) و (م ١): إكرامًا بحفرته على توالي الدهر.
(٣) في (م) و (م ١): الورود.
(٤) ما بين حاصرتين من (ف) وحدها.