للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعَلِم بخروج العراق عن يده، وأنَّ وزيره أبا محمد ابن بابشاذ أتسز خاطب أبا منصور بَهرام في النيابة عنه بفارس، فامتنع واعتذر، فراجعه مرارًا، فأجاب على شروط أنَّه لا يُلَقَّب لقبًا، ولا يلبَس خِلْعةً، وأن يُدبِّر الأمورَ على ما يقتضيه رأيُه، من غير توقُّفٍ على إذنٍ ينتظره، إذْ كان بُعْدُ المسافة لا يحتمل تأخير ما يوجب الصلاحُ إنجازَه، وأن تُجعلَ الأعمالُ كلُّها إليه من غير مشاركة ولا مشارفة، فأجابه إلى جميع ذلك، وسار يوم السبت تاسع عشر شعبان، ولمَّا فصل عن فارس رتبَ أبو منصور الأمورَ الترتيبَ الحسن، ورفعَ المصادراتِ، وأفاض العدلَ، وأمَّنَ الناسَ كافَّةً، وأسقطَ التأويلات، حتى سُمِّي الأجل العادلَ، واستناب الوزيرَ أبا علي بن بُندار في ذلك، وكان الأكرادُ قد أفسدوا البلاد، فجمع العسكر وخرج إليهم، فلمَّا بلغَهَم سيرتُه أطاعوه، وجاؤوا إلى خدمته، فزال الفساد، وارتفع شَنُّ الغارات على الأطراف، وأمِنَتِ السُّبلُ، وأحسن إليهم، وأقطعهم الإقطاعات، ولزموا خدمته، ومما فعل أنه كان بفارس معايشُ ورواتبُ وتَشريفاتُ الأكابر من الكُتَّاب وذوي الحرُمات والبيوتات ما هو مُجرًى على طول الزمان، ما مقداره ألف ألف درهم في كل سنة، فلمَّا ضاق المالُ على السلطان قطعَ هذه الرسوم، وأحال على أربابها بما عسفوا فيه أشدَّ العسف، فأعادَ أبو منصور الرسومَ إلى أربابها، وأزال عنهم العَسْف والظُّلمَ، فأحبَّه الناس.

وفي ذي القَعدة شغب الجند ببغداد على جلال الدولة، وقالوا: كم مواعيد؟ وخرجوا إلى ظاهر البلد، وسُئلوا (١) فلم يلتفتوا، فقبضَ جلالُ الدولة على جماعةٍ من الأعيان، وصادرهم، وأرضى به الترك.

وفيها نُقِضتْ دارُ مُعِزِّ الدولة بباب الشَّماسية، وكان غرم عليها اثني عشر ألف ألف درهم، سوى ما أخذ من أنقاض البلاد [ولم يبقَ لها أثر إلا مسناتها، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم].

ولم يحُجَّ أحدٌ من خراسان ولا من العراق.


(١) في (ف): وروسلوا.