للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أعداؤك. فقال: أنا عبدُهُ مهما فعل، فقد رضيتُ به على هذا الشرط. وعاد الفقيه إلى محمود فأخبره، فأرسل مُقدَّمَ عساكره أبا الحسن عليًّا خشاوند في عدَّةٍ كبيرةٍ من العسكر إلى الريِّ، فخرج مجدُ الدولة لتلقِّيه على القاعدة المقرَّرة مع الفقيه، ومعه طائفةٌ من وجوه الدَّيلم، فلقيه بظاهر الريِّ وقد ضرب خيمةً، فقال: تنزل فيها لننظر في الأمر، فأحسَّ بالغدر، وامتنع من النزول، فقال له عليٌّ: لا تخَفْ، نحن ما جِئْنا إلا لنصرِكَ وخدمتِكَ. فنزل، فقبض عليه وعلى ولده الأكبر أبي دُلَف، وانهزم الدَّيلم، وورد محمود بعد أيام، وخرج الدَّيْلم لاستقباله، فقبض على أكابرهم، وقتل بعضَهم، وصلب آخرين، وأرسل إلى فخر الدولة يطلب المال، فأنكر، فضربه مقارع، وأخذ منه ما قيمتُه ألف ألف دينار، وصادر الحاشية وشتَّتهم قتلًا وأسرًا، وأخذ أموالهم، وبحث بأعيانهم إلى خراسان، وبعث مجدَ الدولة وابنَه أبا دُلَف إلى بعضِ قلاع خُراسان مُضيِّقًا عليه، وقتل الوزيرُ أبو العلاء نفسَه؛ لأنه طُولِبَ بمالٍ لم يكُنْ عنده، وكان الَّذي حمل فخر الدولة إلى خُراسان ملك الهند، فقال له في الطريق: هل لعبتَ بالشِّطرنج قَطُّ؟ قال: نعم. قال: هل رأيتَ شاهًا يدخلُ على شاه؟ وما الَّذي حملك على أن سلَّمتَ نفسَك إلى هذا الملك؟.

ولمَّا بلغ محمودًا قتلُ الوزيرَ نفسَه، قال: لعنَهُ الله، أهلك نفسَه، وشنَّع علينا. وقد كان محمود في تلك الليلة رفع المطالبةَ عنه، وأمر له بالخِلَع السنيَّة، ولمَّا فارق مجدُ الدولة الريَّ قال الشاعر (١): [من الطويل]

لنا ملِكٌ ما فيه للملْكِ آلةٌ … سوى أنَّه يومَ السَّلامِ (٢) مُتوَّجُ

أُقيمَ لإصلاحِ الورى وهْوَ فاسِدٌ … وكيفَ استواءُ الظلِّ والعودُ أعوَجُ

وكتب محمود إلى القادر كتابًا من الريِّ، منه: أصدر العبدُ كتابَه من معسكره بظاهر الريِّ غُرَّة جمادى الأولى سنة عشرين وأربع مئة، وقد أزال الله عن أهل تلك البقعة أيدي الظلمة، وطهَّرها من دعوةِ الباطنيَّةِ الكفَرَةِ، والمبتدعةِ الفَجَرة، فالحَقُّ في أكنافها باهرُ الأنوار، والباطلُ في أرجائها داثرُ الآثار، وقد تناهت إلى الحضرةِ المُقدَّسة حقيقةُ الحال ممَّا قصَّرَ العبدُ عليه سعيَه واجتهادَه، من غَزو أهل الكفر والضلال، وقَمْعِ مَنْ


(١) قائله الحسين بن علي بن هندو كما في يتيمة الدهر ٥/ ١٦٠، وعيون الأنباء ١/ ٤٣٤.
(٢) المثبت من (ف) وعيون الأنباء، وفي باقي النسخ: السلاح.