للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لسبعٍ بَقِينَ من جمادى الأولى فارقَ الوزيرُ أبو القاسم بغدادَ، وخرج إلى أَوانا (١)، وكانت مدةُ وزارته شهرين وأيامًا؛ لأنه عجز عن القيام بمصالح الغِلْمان وما يطلبونه، ثم وَزرَ عميدُ الدولة واختفى في داره، وقيل: في دار الخليفة، فلمَّا كان يومُ الأربعاء الحادي عشر من شوال نزل جلالُ الدولة من داره على سُكْرٍ في سُميريَّة، وانحدر إلى دار الخلافة ومعه ثلاثةُ نفرٍ من حاشيته، وصَعِد إلى البستان، وجلس تحت شجرة، واستدعى نبيذًا وزامرًا فزُمِرَ له وشرب، فشَقَّ على الخليفة وانزعج، وغُلِّقَتْ أبوابُ الدار، وخرج إليه القاضي أبو علي بن أبي موسى وأبو منصور بن بكران الحاجب، وقالا له: قد سُرَّ مولانا أميرُ المؤمنين بقُربِكَ وانبساطِكَ، لكنِ النَّبيذُ والزمرُ ما هذا موضعه. فلم يمتنِعْ، وقال لابن بكران: قل لمولانا أمير المؤمنين: أنا عبدُكَ، ووزيري في دارِكَ، وقد وقفتُ أموري. فأراد أن يحبسه فقال: ليس الخطاب معكَ، اذهَبْ ورُدَّ الجوابَ، فمضى وعاد وقال: ما تعلَمُ أنَّ وزيرَه في دارنا؟ فقال: أُريد جوابًا أبلَغُ من هذا. فذهب وعاد وقال: يجري الأمرُ على ما تُريده. فقام ونزل في زَبْزَبه، وعاد إلى داره، واستدعى الخليفةُ المستخصَّ أبا غانم وأبا الوفاء القائد، وقال لهما: قد عَرَفْتُما ما جرى أمس، وإنَّه أمرٌ زاد على الحدِّ، وتناهى في القُبح، وقابلناه بالاحتمال والحِلْم، وقد ارتكب معنا هذا حالًا بَعد حال، فإمَّا أن يرجع إلى الأول ويسلك معنا الطريقةَ المُثلى، وإلَّا فارقنا هذا البلد فمضينا إلى الملك. وذكروا له ذلك فاعتذر عمَّا بدا منه، وركب في اليوم في زَبْزَبِه، وجاء إلى باب الغرفة فوقف، ونفذ عميد الرؤساء (٢) فقبَّلَ الأرض بين يدي الخليفة، واعتذر عمَّا جرى، وصلُحتِ الحالُ.

وفي شوَّال ورد كتاب مسعود بن محمود من خُراسان بالتعزية والتهنئة.

وفي ذي الحجَّة وردتِ الأخبارُ بما كان من الوباء والموت في بلاد الهند وغَزْنَة وخُراسان وجُرجان والرَّيِّ وأصبهان ونواحي الجبل كلِّها، إلى حُلْوانَ والموصل، وفني الناسُ، ولم يشاهدوا مثلَه، وخرج من أصبهان في مدةٍ قريبةٍ أربعون ألف جنازة، وامتدَّ ذلك إلى بغداد، فمات خلقٌ كثير.


(١) أوانا: مدينة ذات بساتين كثيرة، تبعد عن بغداد عشرة فراسخ. معجم البلدان ١/ ٢٧٤.
(٢) في (ف) عميد الجيوش.