للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السنة التاسعة والعشرون وأربع مئة]

فيها في المُحرَّم جاء أبو الحسن بن القزويني الزاهد إلى جامع المنصور، فلمَّا دخل ارتجَّ بالصياح، وظنَّ الناسُ أن الجمعة قد قامت، وكان حواليه من يضرب الناس إشفاقًا عليه، فكان الناسُ يرمون عليه مناديلهم يتبرَّكون به، وجلس تحت منبر الخطيب، فقام ابن التميمي الواعظ، وقال: إن رأى الشيخُ أن يقول في القرآن قولًا يسمعه الناس منه، فيروونه عنه. فقال: نعم، بَلِّغْهُم عنِّي أنَّ القرآنَ كلامُ الله غيرُ مخلوق، وأن المتكلِّمين على ضلالة (١).

وكان جلال الدولة قد كتب إلى ابن أخيه أبي كاليجار من واسط كتابًا يسأله الصلح، وأقام ينتظر جواب الرسل، فجاءه كتابهم في سابع ربيع الآخر يذكرون أنَّه أجاب إلى ما التمس منه، فسار جلال الدولة مصعدًا إلى بغداد، ثم وافاه بعد ذلك كتاب بأن الرسل عادوا على غير شيء.

وسببه أنَّه قيل لأبي كاليجار: الأتراك معك والأطراف، فإن صالحتَ خرجوا عن يدك. وكان في نفسه من بغداد، فأحضر وزيرَه وعرَّفه ما في نفسه، فقال: أنا رجل غريب عن تلك البلاد، وما أثِقُ من نفسي بمقاومة أمورها وعساكرها ومؤنها. فقال شهاب الدولة أبو الفوارس منصور: أنا أعرِّفُ وأقوم بما تحتاج العساكر إليه. وكان الوزير وهو الأجَلُّ العادل ما يؤثر العراق، ويطلب السلامة، وكان من عقلاء الرجال.

وجاء الرسل إلى جلال الدولة وأخبروه بما جرى في نصف جمادى الأولى، فكتب إلى أبي كاليجار كتابًا: إلى السيد الملك الجليل أدامَ اللهُ توفيقَه، وتأمَّلنا ما عاد به الرسل، فلم يؤدِّ ذلك (٢) إلى بيان، ولا أفصح عن برهان، وذكر كلامًا استعطفه، وكتب إلى الأجلِّ العادل كتابًا من جنسه، وخاطبه بمولاي الأجَلِّ الأوحد المنصور، أدام الله عُلوَّه، فجاء الجواب بما يريد، ووقعت المهادنة والصلح، وكان في كتاب الأجلِّ العادل، وأنَّ الخادم متعلِّق بأهداب طاعة الحضرتين بما خوَّلَه الله من جميل الرأيين


(١) الخبر في المنتظم ١٥/ ٢٦٣.
(٢) في (ف): به.