للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

"فآواها" (١) ﴿إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ﴾، وكانت يابسة في الصحراء، لم يكن لها سَعَفٌ ولا خُوصٌ (٢)، وكانت ببيت لحم على ثلاثة أميال من القدس، وكان يومًا باردًا ﴿قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا﴾ الأمر أو اليوم، قالته حياء من الناس، واختلفوا في معناه:

قال الحسن: قبل نزول هذه الحادثة العظيمة، وهي وجود ولد من غير أب.

وقال مجاهد: قالته شفقة على الخلق، ومعناه: يا ليتني مِتّ قبل أن يخرج مني ولد يُعبَدُ من دون الله، فيدخلُ النارَ بسببه خلقٌ كثير.

وقيل: معناه: يا ليتني مِتُّ قبل أن يجيء من يشغلني عن الله.

وقيل: إنما مضَّها وجع الولادة فقالت ذلك.

وقيل: لما كنتُ في محرابي كان يأتيني رزقي من غير تعبٍ، والآن فقد صرت محتاجةً إلى السبب، يا ليتني مِتُّ قبل هذا.

وقيل: نفاس وعدو وخوف ووجع، يا ليتني مِتُّ قبل هذا، قالهما مقاتل.

﴿وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا﴾ [مريم: ٢٣] أي: لم أكن شيئًا.

﴿فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا﴾ ومعناه: ناداها عيسى لما خرج من بطنها: لا تحزني. وقيل: جبريل، ومعناه: ناداها من تحت النَّشز، لأنها كانت على نَشْزٍ عالٍ، وقيل: على جبلٍ.

واختلفوا في أي مكان ولد على قولين:

أحدهما: ببيت لحم يوم الأربعاء رابع عشرين كانون الأول.

والثاني: بالناصرة (٣) قرية من أعمال اللَّخون عند صَفُّورِيَة.

والأول أصحُّ، لأن في حديث المعراج عن النبي ﷺ أنه قال: "قال لي جبريل ليلة المعراج: انزل ها هنا، فصلِّ ركعتين ببيت لحم، فإن عيسى وُلد ها هنا" (٤).


(١) تفسير الثعلبي ٦/ ٢١٠، والماوردي ٣/ ١٥.
(٢) السَعَفُ: أغصان النخلة، الواحدة: سَعَفَة. والخُوصُ: ورق النخل، الواحدة خوصة.
(٣) في (ب): الناصرية، وفي (خ): البصرة، والمثبت من (ك).
(٤) أورده ابن كثير في "تفسيره" ٣/ ١٥ - ١٦، من حديث شداد بن أوس، وقال: منكر، وروي من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن حبان في "المجروحين" ١/ ١٩٧، وقال: موضوع. وانظر "لسان الميزان" ٢/ ٥٠ - ٥١.